دعاء لصلاح الأبناء .. "رَبِّ اجعَلنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي"
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد ..
* من أدعية القرآن لصلاح الأبناء {رَبِّ اجعَلنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}.
- من خير الدعوات التي يدعوا بها العبد المؤمن له ولذريته أن يكون مقيمًا للصلاة هو وذريته على الوجه الأكمل والأتم.
- الغرض من تخصيص الصلاة بالدعاء ذكر البغوي أن ذلك
يفيد أهمية الصلاة باعتبارها الركن الثاني من أركان الإسلام.
- وقد جاء في كتاب الله تعالى أدعية كثيرة على لسان
رسله منها دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا
وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}، وهكذا الصالحون
يرفعون أكف الضراعة إلى الله دائما في صلاح أزواجهم وذرياتهم فقد قال الله تعالى
عنهم في دعائهم {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَاقُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.
* بيان معاني دعاء {رَبِّ اجعَلنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}.
- قوله تعالى: {رَبِّ اجعَلنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ}: أي من الثابتين على الإسلام وإلتزام أحكامه.
- قوله تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِي}: أي واجعل من ذريتي من يقيمها.
- قوله تعالى: {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}: أي عبادتي كما قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، [تفسير القرطبي].
- جاء في الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ الدُّعاءَ هُوَ العبادَةُ"، ثم قرأ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [تفسير الطبري].
* شرح دعاء {رَبِّ اجعَلنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}.
* قوله تعالى: {رَبِّ اجعَلنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ}.
- أي: يا ربّ اجعلني ممن يحافظ على الصلاة في أوقاتها وأركانها وشروطها، وكل ما يؤدي إلى القيام بكمالها، وخصّ إقامة الصلاة بالدعاء لأهميتها؛ ولكونها شعار الإيمان ورأس الإسلام.
* معنى إقامة الصلاة:
- إقامة الشيء عبارة عن الإتيان بحقوقه، يقال: قام بالأمر، وأقام الأمر إذا أتى به معطيًا حقوقه، وعلى هذا فإن إقامة الصلاة يكون بثلاثة أمور :
- المحافظة على وقتها :فلا تُصلى في آخر الوقت أو بعد خروج وقتها، كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء:103]، وقال تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238].
- المحافظة على أركانها: ومعنى ذلك أن يأتي المصلي بصلاته تامة في ركوعها وسجودها، واعتدالها وقراءتها وتسبيحاتها، فمن انتقص شيئًا منها بأن كان لا يتم ركوعه ولا سجوده فقد أتى منكرًا؛ لأنه سارق من صلاته، كما جاء في حديث أبو قتادة الحارث بن ربعي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أسوَأُ النَّاسِ سَرِقةً الذي يَسرِقُ مِن صَلاتِه، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وكيف يَسرِقُ مِن صَلاتِه؟ قال: لا يُتِمُّ رُكوعَها ولا سُجودَها -أو قال: لا يُقيمُ صُلبَه في الرُّكوعِ والسُّجودِ" [المصدر : تخريج المسند].
- فالطمأنينة ركن من أركان الصلاة، لا تتم الصلاة إلا بها، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسيء في صلاته- بالإعادة، حين جاء إلى المسجد وصلى ركعتين أساء فيهما، ولم يتم ركوعه ولا سجوده، فأمره -عليه الصلاة والسلام- بالإعادة، فأعاد وصلى مثل صلاته الأولى، فأمره بالإعادة، يفعل ذلك مرتين أو ثلاثًا، ثم قال الرجل: والذي بعثك بالحق نبيًّا لا أحسن غير هذا فعلمني، فأرشده النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطمأنينة والاعتدال والإتمام للصلاة، فقال له: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تعتدل جالسًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها [متفق عليه من حديث أبي هريرة].
- المحافظة على خشوعها :والخشوع هو لب الصلاة، وهو المقصود منها، ولهذا نبه النبي-صلى الله عليه وسلم- على هذا الأمر، وأكثر من التركيز عليه فقال: "إنَّ الرَّجلَ لينصرِفُ، وما كُتِبَ لَه إلَّا عُشرُ صلاتِهِ تُسعُها ثُمنُها سُبعُها سُدسُها خُمسُها رُبعُها ثُلثُها، نِصفُها" صحيح أبي داود، والسبب في اختلاف الأجر التفاوت في الخشوع.
إقرأ أيضا
* قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}.
- أي: واجعل كذلك بعض ذريتي من يقيمها على الوجه الأتمّ والأكمل.
- وقوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} فمِن للتبعيض، وإنما خص بعض ذريته بهذا الدعاء لعلمه بإعلام اللَّه له، أن من ذريته من لا يقيم الصلاة، ويكون بعضهم كفاراً، أو فسقة، أو لا يصلّون [روح المعاني: للألوسي].
* قوله تعالى: {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء}.
- أي: وتقبّل دعائي، عملي وعبادتي، وسمى العبادة دعاء، ومعناه استجب دعائي، يا رب اجعلني ممن يحافظ على الصلاة في أوقاتها وأركانها وشروطها.
- وخصّ إقامة الصلاة بالدعاء لأهميتها ولكونها شعار الإيمان ورأس الإسلام.
- وفي تكرار التوسل بربوبية اللَّه تعالى لكمال التضرّع والتذلل بين يدي اللَّه تعالى، وإظهار أن كل دعوة من هذه الدعوات مقصودة بالذات [ابن عاشور].
* فوائد من دعاء {رَبِّ اجعَلنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}.
- ينبغي لكل داعٍ أن يدعوا لنفسه ولوالديه ولذريته [تفسير ابن كثير].
- ينبغي للداعي أن يكون جُلَّ دعائه في مطالب الدين لأنها هي أهم المقاصد والمطالب التي يكون عليها الفلاح في الدارين .
- أهمية الصلاة، حيث خصّها بالدعاء دون غيرها من العبادات .
- أهمية التوسل حال الدعاء بربوبية اللَّه عزوكل؛ لأن إجابة الدعاء من لوازمها.
- أهمية الإلحاح في الدعاء، وأنه من الأسباب العظيمة الموجبة للإجابة، حيث كرّر لفظ الربوبية "مرتين".
- ينبغي للداعي أن يكثر من سؤال اللَّه تعالى قبول دعائه.
- أن الدعاء هو ملجأ جميع الأنبياء والمرسلين والصالحين بل الخلق كلهم أجمعين.
{رَبِّ اجعَلنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
تعليقات
إرسال تعليق