الحديث الأول من الأربعين النووية
- أن ذلك من سبيل العلم الذي من سلكه سهل الله له به سبيلا إلى الجنة، ومعلوم ما ورد في فضل طلب العلم ونشره بين الناس.
- أن حفظ الأحاديث واستظهارها، من صفات العلماء الذين هم ورثة الأنبياء.
- أن في حفظها حفظًا للدين، وصيانة لأصل عظيم من أصوله، فلولا أن الله سخر العلماء لحفظ الأحاديث لذهبت السنة، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ؛ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"رواه البخاري، ومسلم.
- كذلك فمن بركة حفظها: السعي في نشرها وتعليمها الناس، وفي نشرها نشر للعلم، وإذاعة للسنة.
* قال الشيخ ابن
باز رحمه الله:
- السنّة إذا تعلمها المؤمن، فقرأ الأحاديث ودرسها يكون له أجرٌ عظيم؛ لأن هذا من تعلم العلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة" رواه مسلم.
- وهذا يدل على أن دراسة العلم، وحفظ الأحاديث، والمذاكرة فيها من أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار.
- وهكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقه في الدين" متفق عليه.
- والتفقه في الدين يكون من طريق الكتاب، ويكون من طريق السنة، والتفقه في السنة من الدلائل على أن الله أراد بالعبد خيراً.
وعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رضي الله تعالى عنه، قال: سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَن حَفِظَ عَلَى أُمَّتِي أَربَعِينَ حديثا مِن سُنَّتِي أَدخَلتُهُ يَومَ القِيامَةِ فِي شَفاعَتِي".
أسأل الله تعالى أن يرزقنا شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
- وبعد أن بيَّنا فضل دراسة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وحفظها، نبدأ بإذن الله تعالى في شرح بسيط لأحاديث "للأربعين النووية"، وبيان بعض الفوائد المستنبطة منها.
- وقد أشار النووي إلى أهمية هذا الكتاب؛ حيث قال: "وينبغي لكل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث، لِما اشتملت عليه من المهمات، واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات وذلك ظاهر لمن تدبَّره".
* الحديث الأول "إنما الأعمال بالنيات"
عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
- رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: "إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،
وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ
لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ
إلَيْهِ".
رَوَاهُ إِمَامَا الْمُحَدِّثِينَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْمُغِيرَة بن بردذبه الْبُخَارِيُّ الْجُعْفِيُّ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمٌ بنُ الْحَجَّاج بن مُسْلِم الْقُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي "صَحِيحَيْهِمَا" اللذِينِ هُمَا أَصَحُّ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ
* بيان معاني الحديث الأول:
- إنما: للحصر، وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه.
- الأعمال: الشرعية المفتقرة إلى النية.
- بالنيات: بتشديد الياء وتخفيفها جمع نية وهي عزم القلب.
- وإنما لكل امريء ما نوى: فمن نوى شيئا لم يحصل له غيره.
- فمن كانت هجرته: إنتقاله من دار الشرك إلى دار الإسلام.
- إلى الله ورسوله: بأن يكون قصده بالهجرة طاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
- فهجرته إلى الله ورسوله: ثوابًا وأجرا.
- لدنيا: بضم الدال وكسرها من الدنو، أي القرب سميت بذلك لسبقها للأخرى، أو لدنوها إلى الزوال، وهي ما على الأرض مع الهواء والجو مما قبل قيام الساعة. وقيل: المراد بها هنا المال بقرينة عطف المرأة عليها.
- يصيبها: يحصيها.
- ينكحها: يتزوجها.
- فهجرته إلى ما هاجر إليه: كائنا ما كان، فالأول تاجر والثاني خاطب.
* ما يستفاد من الحديث الأول:
- الحث على الإخلاص، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان صوابا وابتغي به وجهه. ولهذا استحب العلماء استفتاح المصنفات بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية.
- أن الأفعال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل إذا فعلها المكلف على سبيل العادة لم يترتب الثواب على مجرد ذلك الفعل وإن كان صحيحا، حتى يقصد بها التقرب إلى الله.
- فضل الهجرة إلى الله ورسوله، وقد وقعت الهجرة في الإسلام على وجهين:
- الأول: الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرتي الحبشة، وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة.
- الثاني: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين، وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة، إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص، وبقي عموم الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام لمن قدر عليه واجبا.
تعليقات
إرسال تعليق