الحديث الرابع عشر من الأربعين النووية: متى يُهدَر دَمُ المُسلم؟
* الحديث الرابع عشر: متى يُهدَر دَمُ المُسلم؟
عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ [يشهد أن لا إله إلا الله، وأني
رسول الله] إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ
بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ" رواه البخاري ومسلم.
* بيان معاني الحديث الرابع عشر.
- لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ: أي لا يحِلُ قتلُه، فلا تجوز إراقة دَمُه، والمراد: النَّهي عن قتله ولو لم يُرِق دَمُه.
وفي رواية مسلم: [يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله]، وهي صفة كاشفة.
إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: أي: بواحده من ثلاث المذكورة في الحديث، وهي خصال يجب على الإمام القتل بها لما فيه من المصلحة العامة، وهي: "حفظ النفوس والأنساب والدين".
الثَّيِّبُ الزَّانِي: من تزوج ووطي في نكاح صحيح، ثم زنى بعد ذلك فإنه يرجم حتى يموت.
وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ: أي القِصاص إذا قتل نفس عمدًا بغير حق فإنه يُقتل؛ بشرط المكافأة في الدين والحرية، فلا يُقتَل المسلم بالكافر، ولا الحُر بالعَبد.
وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ: الإسلام بالارتداد.
الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ: جماعة المسلمين.
* شرح معاني الحديث الرابع عشر.
- "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ": أي: لا يجوز إراقته، والحكم شامل للرجال والنساء، كما لا يجوز قتل مسلم بشبهة أو اختلاف رأي، كما قال القرطبي - رحمه الله -: ودماء المسلمين محظورة لا تستباح إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف؛ قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151].
- "إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ": أي: خصال ثلاث.
- "الثَّيِّبُ الزَّانِي": وهو من تزوج ووطئ في نكاح صحيح، وزنا بعد ذلك، سواءٌ أكان ذكرًا أم أنثى، إذا كان بالغًا عاقلًا حرًّا، وعقوبته الرَّجم، وهو الرمي بالحجارة حتى الموت؛ لأنه مشروع في حقه، وقد رَجَمَ نبي الله صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامدية، وكذا اليهوديين.
- "وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ": أي: تقتل النفس في مقابلة النفس؛ أي: قصاصًا بشرطه؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178]، وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179].
- استدل بهذا الحديث -أصحاب أبي حنيفة- رضي الله عنهم في قولهم: يقتل المسلم بالذمي، ويقتل الحر بالعبد. [شرح مسلم للنووي].
- "وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ": أي: المُرتَد عنه لغير الإسلام فيقتل، ما لم يعُدْ إلى الإسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدَّل دِينه، فاقتلوه" رواه البخاري، ولأن العِلة التبديل.
- استدل كثير من العلماء بهذا الحديث على أن: تارك الصلاة لا يقتل بتركها؛ لكونه ليس من هؤلاء الثلاثة.
- أما ابن القيم -رحمه الله- فقال: إن هذا الحديث حجة في قتل تارك الصلاة، فإن تارك الصلاة تارك لدينه؛ فالصلاة ركن الدين الأعظم، لا سيما إذا قلنا: إنه كافر، فقد ترك دينه بالكلية. [توضيح الأحكام لابن القيم].
- "الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ": أي: المفارق لجماعة المسلمين بترك دينه، فهي صفة موضحة ومؤكدة؛ لأن من ترك دين الإسلام، لم يَعُد يتقيد بشيء مما عليه جماعة المسلمين.
* ما يستفاد من الحديث الرابع عشر.
- الحديث من قواعد الشرع العظيمة؛ لتعلقه بالمحافظة على الدِّين والأعراض، والأنساب والدماء.
- الترهيب من قتل النفس التي حرم الله.
- تحريم فعل هذه الخصال الثلاث أو بعضها، وأن من فعل واحدة منها استحق عقوبة القتل: إما كفرًا، وهو المرتد عن الإسلام، وإما حدًّا، وهما: الثيب الزاني، والقاتل عمدًا.
- احترام المسلم، وأنه معصوم الدم.
- وجوب حِفظ الأعراض ونقائها.
- الحث على التزام جماعة المسلمين وعدم مفارقتهم.
- شرع الله الحدود لردع الجُناة، ولحماية المجتمع ووقايته من الجرائم.
* القواعد المستنبطة من الحديث الرابع عشر.
- قاعدة فقهية: الأصلُ في دَمِ المُسلم الحُرمَة كمالِه تمامًا.
تعليقات
إرسال تعليق