* الحديث السابع والثلاثون: "أفطَرَ الحَاجِم والمَحجُوم"
عَن شدَّاد بن أوس رضي الله عنهُ "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلَّم أتَى علَى رجلٍ بالبقيعِ وَهوَ يحتجمُ وَهوَ آخذٌ بيدي لثمانِ عشرةَ خلَت مِن رمضانَ فقالَ أفطرَ الحاجمُ والمحجومُ" رَواهُ أبو داود.
* شرح الحديث السابع والثلاثون
في هذا الحَديثِ يَذْكُرُ شَدَّادُ بنُ أوسٍ رضِيَ اللهُ عنه "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم أتَى على رجُلٍ بالبَقيعِ"، وفي هذا ذِكْرٌ للمَكانِ، قال:
"وهو يَحتَجِمُ"، والحِجامةُ: هي امتِصاصُ الدَّمِ الزَّائدِ مِنَ الجسَدِ، أو إخراجُ الدم من البَدَن بآلةٍ خاصة تسمى المِحْجَمَ، أو المِحْجَمة، ثمَّ بيَّن الهيئةَ الَّتي كان علَيْها فقَال:
"وهو آخِذٌ بيَدي"، ثمَّ بيَّنَ زَمانَ الكلامِ تَحديدًا، فقال:
"لِثَمانَ عَشْرةَ خَلَت مِن رمَضانَ"، وهذا من الحِرِص على ضَبْطِ الرِّوايةِ عَن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، وتصويرِ والزَّمانِ والحالِ التي قيلَ فيها الكلامُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم:
"أفطَرَ الحاجِمُ والمحجومُ"، أمَّا الحاجِمُ فلأنَّه كان يمَصُّ الدَّمَ مِن المِحْجَمِ فلا يَأمَنُ أن يَصِلَ الدَّمُ إلى حَلْقِه، وأمَّا المَحْجومُ فإنَّه يَضعُفُ لِخُروجِ الدَّمِ منه، فرُبَّما يَعجِزُ عَن الصَّومِ.
وقد ورَد أَنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم "احْتَجَمَ وهو مُحْرِمٌ واحْتَجَمَ وهو صائِمٌ"، فقيل: إنَّ معنَى قولِه: «أَفطرَ الحاجِمُ والمَحْجُومُ»: أي كادَا أن يُفْطِرَا؛ أمَّا الحاجمُ فلخوفِ دُخولِ الدَّمِ في جوفِه، وأمَّا المحجومُ فلضَعْفِهِ.
* فوائد من الحديث السابع والثلاثون
- دل الحديث على أن من المفطِّرات إخراجَ الدم بالحجامة، وهذا مذهب الإمام أحمد، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، واللجنة الدائمة للإفتاء، وشيخنا ابن باز، والعلامة ابن عثيمين رحمهم الله.
- الدم الخارج من البدن بغيرِ الحجامة نوعان:
- - النوع الأول: ما يلحَقُ بالحجامة في الحُكْم، وهو الدم الكثير المؤثِّر على البدن؛ مثل: سحب الدم الكثير للتبرع به، فلا يجوز للصائم ذلك، وإذا فعله للضرورة فقد أفطر، ووجب عليه القضاء.
- - النوع الثاني: ما لا يلحَقُ بالحجامة في الحكم، وهو الدم اليسير الخارج من أي جزء من أجزاء البدن، وهذا لا يفسد الصيام؛ مثل: خروج الدم بالرعاف، أو قلع السن، أو الجرح، أو سحب الدم القليل للتحليل، أو خروجه من اللِّثة باستعمال السواك أو فرشاة الأسنان؛ فلا يفطر الصائم بذلك؛ إذ لا يؤثر في البدن كتأثير الحجامة، والأصل صحةُ الصوم إلا بدليل، ولا يُفطِر الإنسان بخروج الدم الكثير بغير اختياره، كما لو كان بسبب حادثِ سيارة أو غيره، لكنه إذا احتاج إلى الفطر لضعفه أفطر وقضى.
- من المفطِّرات التقيُّؤ عمدًا، وهو إخراج ما في المَعِدَة من طعام أو شراب عن طريق الفم، قال ابن المنذر رحمه الله: أجمع أهل العلم على إبطال صوم من استقاء عامدًا
تعليقات
إرسال تعليق