اسم الله الصمد .. مقتطافات من كتاب لأنك الله
* مقدمة الكاتب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وصحبه ومن ولاه .. وبعد
- فهذه كلمات عن بعض أسماء الله، كتبتها بضعفي عن القوي، سبحانه وبعجزي عن القدير، سبحانه، ويجهلي عن العليم سبحانه.
- وباب أسماء الله الحسنى باب إيماني عظيم، يدلف العبد من خلاله إلى عالم قدسي خاص، يجعل النفس تسجد تعظيمًا ، والروح تتبتل خشوعا وحبًّا.
- أردت من هذا الكتاب الدلالة على الله سبحانه، والإشارة إليه بالقليل مما لديه، وتذكير نفسي وإخواني بأنّه على كل شيء قدير، وأن فضله كبير، وأنه سبحانه السميع البصير.
- إننا بدون معرفة أسماء الله في صحراء تائهون، تتبدد أيامنا في لهيب تلك الصحراء، ودوّامة كثبان القلق النفسي.
- اختر الله؛ معرفةً، وإيمانًا ويقيناً، وعبادة، وخضوعًا، ثم أنسًا، وسعادة، وهناء.
- لا أدَّعِي في هذا الكتاب إحاطةً ولا علمًا ولا سبقًا، الذي أدَّعيه هو العجز والتقصير والافتقار إلى عفوه سبحانه وتجاوزه ..
- أسأل الله صلاح النية، وأن يغفر ما قد يَندُ به القلم، أو يخطئ به الفؤاد.
علي جابر الفيفي.
* اسم الله "الصَّمَد".
- لا يستطيع العالم كله أن يمسك بسوء لم يرده الله.
- ولا يستطيع العالم كله أن يدفع عنك سوءًا قدره الله ..
- إذا كان الضعف قد بنى حولك سجنًا ضيقًا لا تستطيع الخروج منه!
-
إذا حاصرتك الحاجات وداهمتك الخطوب، والتفت من حولك الهموم، وأخذت روحك فى الهرب إلى المجهول! فأنت ساعتها بحاجة إلى أن تصمد إليه ..
-
اسم الله "الصَّمَد" سيمدك بكل ما تحتاجه لتكون قويًا هذه الحياة وتواجه واقعك بشموخ، وتتجاوز عُقَدك بعزيمة!
-
أبدأ مع الصَّمَد عهدًا جديدًا، ثم ثق أنّ الغد سيكون أفضل من اليوم وبكثير !!
* في ظلال الصَّمَدِيَة.
- الصَّمَد اسم كما ترى بالغ الهيبة قوي الحروف، شامخ المعنى، قليل الورود، والذكر، ذو جلالة خاصة .
- وكأن الصمود له سبحانه أهم تجليات الإخلاص في العبادة، فمَن أكثر من استحضار معنى الإخلاص في عباداته، أكسب قلبه صفة الرضوخ إلى مولاه والصمود له وعدم الالتجاء إلا إليه.
- وها نحن ندلف إلى عالم الصَّمَدِيَة لنستلهم شيئًا من معاني الصَّمَد هو من تصمد إليه الخلائق أي تلجأ إليه، هذا من أجلّ معاني هذا الاسم، لذا فسوف نُطوف بهذا المعنى الصَّمَد هو المقصود في الرغائب، المستغاث به عند المصائب، والمفزوع إليه وقت النوائب.
- جاء ذكره في سورة من أعظم سُوَر المصحف، ومن أقصرها، وهي سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن الكريم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ}[الإخلاص:1-2].
يحتاج المخلوق إلى نصر فيقول: يــــــــــا الله
يحتاج إلى إعانة فيقول: يــــــــــا الله
يحتاج إلى حفظ فيقول: يــــــــــا الله
يحتاج إلى هداية فيقول: يــــــــــا الله
يحتاج إلى لطف فيقول: يــــــــــا الله
* أمواج ..
- أحاطك بالاحتياجات لتحيط نفسك بأسمائه وصفاته، وهذا معنى الصَّمَدِيَة.
- في كل لحظات حياتك أنت بحاجة إليه، فإن لم ترجع إليه اختيارًا رجعت إليه اضطرارا .
- المزارع إذا تأخر وقت الحصاد، وقد تعاظمت حاجته للثمر، وصار الماء شحيحًا، نظر إلى السماء وقال: يا الله ركاب السفينة إذا تلاطمت بهم الأمواج، وزعزعت فكرة الموت طمأنينة الحياة في نفوسهم قالوا: يا الله !
- إذا أعلن قائد الطائرة أن عجلاتها رفضت التحرّك ولذلك فسيأخذ جولة على المطار إلى أن تُحل المشكلة، ينسى ركاب الطائرة كل الشخصيات المهمة، ولا يتذكرون إلا الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يَجِير ولا يُجَار عليه.
- وعيناك على رسّام القلب، تنظر إلى تلك الخطوط المتعرّجة ومريضك تخفت أنفاسه وتتضاءل نبضاته، وتلك الخطوط تأخذ قليلًا قليلًا في الهبوط، لحظتها تنسى اسم الممرضة، ويتبخّر من رأسك وجه الطبيب وتقول فى رجاء يا الله كن معه!
* أفكار الزيف.
جَاءَ شَيْخُ أَعْرَابِيُّ اسْمُهُ الحُصُينُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: كَمْ نَعْبُدُ يَا حُصَينُ؟ فَقَالَ: سَبْعَةٌ، سِتَّةٌ فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ: مَنْ لِرَهْبِكَ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ مَنْ لِرَغْبِكَ؟ قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: فَاتْرُكَ الَّذِينَ فِي الأَرْضِ وَاعْبُدُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، فَأَسْلَمَ الحُصَيْنُ" [أخرجه الترمذي في سننه].
-
لقد اقتنع بسبب معنى الصَّمَدِيَة، لأن من تصمد إليه وقت الرهبة والرغبة وهو وحده من يستحق أن تسجد له.
- إن الإيمان أسهل فكرة في الوجود، لا تحتاج إلى كتب، ولا إلى فلسفة ولا إلى سَبر، وتقسيم هي كلمة قلها بإخلاص ثم اتركها لتشتت أفكار الزيف.
- يختصر القرآن ذلك فيقول: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}[الإنعام:91].
- كلمة «الله» وحدها .. كفيلة بإسكات أكبر أكاذيب الحياة في عمق كل إنسان، وداخل كل خلية، وحول كل شريان أشياء تعرف الله جيدًا، وتسجد له، وتسبّحه.
إن الكافر وهو كافر إذا سمع القرآن يخضع ..
- ومن قصص السيرة الشهيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم على مشركي مكة في المسجد الحرام، وما إن انتهى حتى سجدوا .. كلهم سجدوا حتى أولئك الذين طردوه وآذوه وخططوا لاغتياله سجدوا!
- تلك الأشياء التي في خلاياهم وشرايينهم تفجرت فيها طاقة إيمانية رهيبة فجعلتهم يخرون للأذقان سجدًا.
- هناك نوع من الحب المقدّس في قلوب العباد لا يشبعه إلا الانحناء له والطواف ببيته والوقوف بين يديه، والقيام من النوم لأجله، وبذل المهج في سبيله.
- الحياة بكل تجلياتها همس يقول لك: الذي تبحث عنه على عرشه يسمعك { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:5].
- وصمودك إليه بقلبك تمامًا كصمود المصلي إلى الكعبة ليصلي إليها !
- هكذا يجب أن يكون القلب، يوزّع رغباته في كل الاتجاهات لكن الاتجاه الأمامي يجب أن يكون لله فقط.
- ضع يمين قلبك ما شئت ويساره ما شئت، ولكن أمامه لا تضع إلا مرضاة الله إلا مراقبة الله، إلا حب الله.
* وتنساه.
- إذا بحثت عن شيء فلم تجده فدعه، وانشغل بالله.
- هو الذي جعل ذلك الشيء يضيع لتصمد إليه وتلتجى، لتقول: اللهم ردّ عليّ ضالّتي فيردّها يريدك أن تنشغل به عن حاجتك، ولكنك تنشغل بها، وتنساه!
ولشيخ الإسلام ابن تيمية الله كلام بالغ النفاسة في هذا المعنى، فتأمله بقلبك، ثم اجعله بالقرب من أوجاعك، وكربك، وحاجاتك، يقول: العبد قد تنزل به النازلة فيكون مقصوده طلب حاجته، وتفريج كرباته فيسعى في ذلك بالسؤال والتضرع، وإن كان ذلك من العبادة والطاعة، ثم يكون في أول الأمر قصده حصول ذلك المطلوب من الرزق والنصر والعافية مطلقًا، ثم الدعاء والتضرع يفتح له من أبواب الإيمان بالله عزوجل ومعرفته ومحبته، والتنعم بذكره ودعائه، ما يكون هو أحب إليه وأعظم قدرًا عنده من تلك الحاجة التي همته، وهذا من رحمة الله بعباده، يسوقهم بالحاجات الدنيوية إلى المقاصد العلية الدينية .
- تنقطع الأمطار، وتصبح الدنيا قاحلة على عهد موسى فيخرج هو وقومه وهم آلاف من الرجال والنساء والولدان فيرى موسیٰ نملة خرجت رافعة يديها إلى السماء صامدة إلى ربّ السحاب فعلم موسى أن هذا الصمود وهذا الذل لن يعقبه إلا هطول السماء بماء منهمر، فقال لقومه: ارجعوا فقد كُفيتم ، فعادوا على صوت الرعود، ورذاذ المطر!
- في طفولتي كنت أسمع دعاء لأحد القرّاء فيهزني: اللهم أوقَفْنا مطايانا ببابك .. فلا تطردنا عن جنابك هذا الإيقاف للمطايا بباب الكريم هو معنى الصَّمَد .. اصمد إليه.
- يجب أن تعلم أنه لو لم يأذن للدواء أن يؤدّي مفعوله في جسدك لما ارتفع عنك ذلك المرض، فاصمد إليه أن يشفيك.
- يجب أن توقن أنه لو لم يصرف تلك السيارة المتهوّرة عنك؛ لكنت الآن في عداد الموتى، فاصمد إليه أن يحفظك.
- يجب أن تتأكد أنّه لو لم يحطك برعايته عندما ركبت البحر، لكنت الآن طعمًا لأسماك المحيط، فاصمد إليه أن يكون معك.
* البوصلة.
- لماذا ننتظر جائحة تردّنا إليه؟ ومصيبة تذكرنا باسمه؟ ألا يستحق أن نخضع ونلتجئ إليه دون جوائح؟
- هل كل ما أعطانا إيّاه من حياة وصحة وإيمان وأمان وسعادة قليل حتى لا ننكس رؤوسنا إليه إلا ببلية تنسينا كل أوهامنا، ولا يبقى في عقولنا معها إلا الله !
- عدل بوصلة قلبك باتجاهه ثم سر إليه ولو حبوا على ركبتيك، ستصل {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:115].
إذا التجأت لفلان من الناس صباحًا قد يغلق بابه دونك في المساء.
إذا نصرك على زيد قد لا ينصرك على عمرو.
إذا أعطاك اليوم فسوف يمنعك في الغد.
أما الله .. فلا !
{هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[غافر:65].
يعطي بالليل والنهار، ينصرك على الجميع إن كنت مظلومًا، لا يغلق بابه .. يده سحَّاء الليل والنهار .. أكرم الأكرمين لذلك تصمد إليه كل الخلائق، فإذا جرّبت أن تصمد إلى غيره في حاجة رجعت خائبًا، ولابد إذا طلبت غيره قد لا يجيبك، أو قد يجيبك ولكن يتأخر في تلبية طلبك، أو يلبيه ولكن ناقصًا، أو يلبيه كاملًا لكن إهانة، وقد لا يهينك ولكنّ نفسك تنكسر له ..
* فرغ قلبك من غيره.
يقول النَّبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: "إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ" ما دام أن هناك حاجة تستحق السؤال؛ فليكن الله هو من تسأله!
- "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ" .. أمامك!
- احفظه في نفسك وجوارحك وخطراتك، سيكون أمامك بحفظه ومعيته ونصرته .
- أعجبتني مقولة نقلها أبو حامد الغزالي عن أحد العارفين يقول فيها عن اسم الله الأعظم: "فرّغ قلبك من غيره ثم ادعه بأي اسم يجبك"
- وهذا فحوى معنى الصَّمد اجعل في قلبك الله، ثم قل أي شيء من مرضاته.
كل عارض يعرض إنّما هو رسالة تقول لك: لديك رب فالتجيء إليه .. لديك رب اصمد إليه.
* خطوات.
انظر في أي اتجاه شئت، ولكن اجعل في قلبك عينين لا تنظران إلا إلى عظمته!
تحدث بكل ما تريد ولكن اجعل في قلبك لسانا لا ينطق إلا بذكره!
استمع إلى الجميع، ولكن اصنع في قلبك سمعا لا يدرك إلا كلامه!
امش إلى حيث شئت، ولكن احفر في قلبك خطوات نهايتها عرش الرحمن!
- إذا أمسكت قلمًا فتساءل: هل يَرضى سبحانه عما سأكتبه في هذه الورقة؟
- إذا هممت بكلمة تقولها فتساءل: هل سأقول شيئًا يرضيه؟
- إذا وقفت موقفًا تساءل: هل موقفى هذا محبوب عنده! أم لا؟
- اصنع منبهًا وعلّقه في أعلى قلبك دقاته تقول: ماذا يريد الله؟
- إذا عَلِمَت روحك الصمود إليه، فإنّها مع الزمن ستستحي أن تكثر من الطلبات الدنيوية؛ لأنّها ليست الحيّز الذي خُلقت له، فكل آمالك أُخروية.
- قال الخليفة لابن عمر وهو يطوف حول الكعبة سلني يا ابن عمر، فنظر إليك بشموخ الصامد إلى الله وقال من أمر الدنيا أم الآخرة؟، فقال الخليفة: أما الآخرة فلله ولكن من شؤون الدنيا، فقال ابن عمر: لم أسأل الدنيا من يملكها فكيف أسألها من لا يملكها ؟!
* حقيقة.
- اللحظة التي تصمد فيها إليه لأجل حاجتك، هي نفسها اللحظة التي تصبح حاجتك ملك يمينك!
- لا عبور لأي رغبة إلا من طريق الله؛ لا وجود لأي حاجة إلا في ساحة الله؛ لا إمكانية لحدوث شيء إلا بالله، فإنّه وحده الذي لا حول في الوجود ولا قوة إلا به.
- لا يمكن لخليّة أن تتحرّك، ولا لذرة أن تكون، ولا لقطرة أن تتبخر، ولا لورقة شجر أن تسقط؛ إلا بحوله وقوته!
- لا يستطيع العالم كله أن يمسك بسوء لم يرده الله، ولا يستطيع العالم كله أن يدفع عنك سوءًا قدّره الله!
- إذن فاجعل وجهك إليه، وألجئ ظهرك إليه، وفوّض أمرك إليه.
فهو الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.
اللهم اصمد قلوبنا إليك واجعلنا لا نطلب غيرك، ولا نسأل سواك، ولا نستغيث بأحد من خلقك .. يا الله.
تعليقات
إرسال تعليق