وقفات مع "وإن الله على نصرهم لقدير"
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد ..
أهلًا بكم متابعي مدونة -طريقك للجنة-، موضوع اليوم نتحدث فيه عن قضية نصر الله لعباده المؤمنين المستضعفين في الأرض.
- شرع الله الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ لما له من منزلةٌ عظيمةٌ؛ فهو ذروةُ سَنامِ الإسلامِ، وهو يَشمَلُ الجهادَ لدَفْعِ العدوِّ والجهادَ لفَتْحِ البُلدانِ ونَشْرِ دَعوةِ الإسلامِ؛ فبالجِهادِ تَعْلو كَلِمةُ اللهِ عزَّ وجلَّ وتَقْوى شَوكةُ المسلِمين، فلا يَطمَعُ فيهم عدوُّهم ولا يَستبيحُهم.
- وقد جاءت آيات كثيره في كتاب الله تعالى وأحاديث نبوية تتحدث عن مفهوم النصر والجهاد؛ وكيف أن الله قادر على نصر عباده المؤمنين الموحدين إذا تمسكوا بشرعه وساروا على نهج نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.
- ولنا في هذا اللقاء وقفة مع قول الله تعالى في سورة الحج: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج: 39].
* أقوال المفسرين في قول الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}.
- جاء في كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} يعني: المؤمنين، وهذه أوَّلُ آية نزلت في الجهاد، والمعنى: أُذن لهم أن يُقاتلوا {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواَ} بظلم الكافرين إياهم {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ َ} وعد من الله تعالى بالنصر.
- قال المفسرون: كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يزالون محزونين من بين مضروب ومشجوج، ويشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول لهم: ((اصبروا فإني لم أومر بالقتال)) حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، وهي أول آية أذِنَ الله فيها بالقتال، فنزلت هذه الآية بالمدينة.
- وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة، فكانوا يمنعون من الهجرة إلى رسول الله، فأذِن اللهُ لهم في قتال الكفار الذين يمنعونهم من الهجرة، {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواَ}؛ يعني: بسبب ما ظُلِموا واعتدوا عليهم بالإيذاء، {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ َ}.
* سبب نزول {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}.
- لمَّا أُخْرِجَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ من مَكَّةَ، قالَ أبو بَكْرٍ: أخرجوا نبيَّهم، إنَّا للَّهِ وإنَّا إليهِ راجعونَ ليَهْلِكُنَّ، فنزلت: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} .
- وفي هذا الحَديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما: لَمَّا أُخرِج النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن مكَّةَ، أي: مُهاجِرًا منها إلى المدينَةِ، "قال أبو بَكرٍ: أَخرَجوا نَبِيَّهم! إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعون، أي: يتأسَّفُ أبو بَكرٍ رَضِي اللهُ عَنه على ما فَعَله مُشرِكو مكَّةَ مِن إخراجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِنها.
- "ليَهلِكُنَّ"، أي: ليُهلِكَنَّهم اللهُ عزَّ وجلَّ جزاءَ فِعلِهم هذا، فنزَلَ قولُه تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج: 39]، وفيه أمْرٌ من اللهِ عزَّ وجلَّ ورخْصةٌ لعِبادِه في قِتالِ مَن ظلَمَهم، وإنْ كان هو سُبحانه وتعالى قادِرًا على نَصرِ عِبادِه المؤمنين مِن غيرِ قِتالٍ، ولكِنَّه يُريدُ مِن عِبادِه أنْ يَبذُلوا جُهدَهم في طاعَتِه.
- فقال أبو بَكرٍ رَضِي اللهُ عَنه: "فعَرَفتُ أنَّه سيَكونُ قِتالٌ"، أي: عَلِم بتِلك الآيَةِ أنَّه سيَقَعُ قِتالٌ بينَ المسلِمين والمشرِكين.
- قال ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما: "فهي أوَّلُ آيةٍ نزَلَت في القِتالِ"، أي: إنَّ تِلك الآيَةَ هي أوَّلُ آيَةٍ شرَع اللهُ فيها الجهادَ.
- وقيل: بل أَوَّلُ آيةٍ قولُه تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190]، ولكنْ لا خِلافَ في أنَّ القِتالَ كان مَحظورًا قَبلَ الهِجرةِ .
* الله تعالى قادر على نصر المؤمنين.
- الله قادر سبحانه وتعالى على نصر المؤمنين، ولكنه شرع الجهاد ليبذل المسلمون جهدهم وقوتهم، وليظهر نصرهم لدين الله، ابتلاء وامتحاناً واختباراً، ليتبين الصادق من الكاذب، وليظهر ظهور عيان من يحب الله ورسوله بأن يبذل نفسه وماله في الجهاد في سبيل الله.
- بين الله لنا في آيات كثيرة سنة الابتلاء، قال سبحانه: {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْض} [محمد:٤]، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُم} [محمد:٣١]، قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين} [آل عمران:١٤٢]، ففيها ابتلاء وامتحان واختبار من الله عز وجل؛ ليتبين الصادق من الكاذب، وليتخذ الله شهداء من المؤمنين، وليعظم الله لهم الأجور.
- ولهذا قال تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ َ} أي: قادر سبحانه وتعالى أن ينصرهم في لحظة واحدة بكلمة كن، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون} [يس:٨٢]، لكنه سبحانه وتعالى شرع الجهاد لحكم وأسرار.
- كما بين الله سبحانه وتعالى في الآية الأخرى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُون} [النساء:١٠٤]،
- وبين في آية أخرى شيئاً من الحِكم قال تعالى: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين} [آل عمران:١٤٠ - ١٤١]، تمحيص للمؤمنين ومحق للكافرين، واتخاذ الشهداء من المؤمنين، وغير ذلك من الحِكم التي ذكرها سبحانه وتعالى.
- قال تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:١٤٠ - ١٤١]، كل هذه من الحكم والأسرار، وإلا فالله قادر على نصرهم.
- ولهذا قال: {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ َ}[الحج:٣٩]، وبين سبحانه وتعالى المسوغ للجهاد، قال: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّه}[الحج:٤٠]، أي: ليس لهم ذنب إلا أنهم وحدوا الله وأفردوه بالعبادة، هذا ليس بذنب وإن كان عند المشركين أكبر ذنب.
- كما قال سبحانه في أصحاب الأخدود: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض}[البروج:٨ - ٩ ].
- ثم بين سبحانه أنه لولا أن الله يدفع بعض الناس ببعض يدفع هؤلاء بهؤلاء، وينصر عباده بما يخلق من الأسباب؛ لهدمت هذه المعابد المتعبدة والصوامع وهي مكان العبادة للرهبان، والبيع للنصارى، والصلوات لليهود، والمساجد للمسلمين، قال تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز}[الحج:٤٠].
* بيان أسباب النصر.
قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي
الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}[الحج:٤١].
- وهذه الآية فيها بيان أسباب التمكين في الأرض، وهي إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- فمن أقام الصلاة وآتى الزكاة وأمر بالمعروف مثل: الأمر ببر الوالدين وصلة الأرحام والجهاد في سبيل الله والإحسان إلى الفقراء والأيتام، ونهى عن المنكر فإن الله يمكنه في الأرض.
- والمعروف هو كل ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً،
والمنكر هو كل ما أنكره الشرع والعقل.
- والنهي عن المنكر: النهي عن الشرك، والنهي عن الاعتداء على الناس في الدماء وفي الأموال وفي الأعراض، والنهي عن عقوق الوالدين وعن قطيعة الرحم.
- فمن أقام الصلاة وآتى الزكاة وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فإن الله يمكنه في الأرض، ولهذا قال: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}[الحج:٤١].
اللهم منزل الكتاب مجري السحاب سريع الحساب هازم الأحزاب إهزم أعداء الدين في كل مكان يحارب في الإسلام والمسلمين، واللهم أفرغ على إخواننا المسلمين في فلسطين صبرًا وثبت أقدامهم وانصرهم على عدوك وعدوهم، يا نِعم المولى ونِعم النصير أنت حسبهم ونِعم الوكيل.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
تعليقات
إرسال تعليق