وقفات وفوائد من قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}

 

الحديث السادس عشر من الأربعين النووية: النهي عن الغضب.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد ..

موعدنا اليوم متابعي مدونة -طريقة للجنة- ومع حديث جديد من أحاديث الأربعين النووية، وهو الحديث السادس عشر: النهي عن الغضب.

أسأل الله تعالى أن ينفعنا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرزقنا العمل بها؛ لننال شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

* فهيا بنا لنستمع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم *

الحديث السادس عشر: النهي عن الغضب.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنْ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْصِنِي قَالَ: "لَا تَغْضَبْ"، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: "لَا تَغْضَبْ" رواه البخاري.

* بيان معاني الحديث السادس عشر.

• رَجُلًا: قيل بأن هذا الرجل هو أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه وقيل غيره.
• أَوْصِنِي: وصية وجيزة جامعة لخصال الخير.
• لَا تَغْضَبْ: لا تتعرض لأسباب الغضب، وإن تعرضت لأسباب الغضب فأمسك نفسك.
• فَرَدَّدَ: أي كرر ذلك الرجل قوله "أَوْصِنِي" يلتمس أنفع من ذلك، أو أبلغ أو أعم.
• مِرَارًا: في رواية عثمان بن أبي شيبة، وفيها بيان عددها، فإنها بلفظ "لا تغضب ثلاث مرات".
• قَالَ: النبي صلى الله عليه وسلم له في المرة الثانية والثالثة.
• لَا تَغْضَبْ: فيه بتكرارها على عظيم نفعها وعمومه.

* شرح معاني الحديث السادس عشر.

• هذا الحديث من أقصر الأحاديث وأقلها لفظاً ومبنى؛ ولكنه عظيم وواسع وجامع، وهو من جوامع كَلِمه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه متكون من كلمتين: "لَا تَغْضَبْ".
• "أَوْصِنِي": الوصية هي: العهد إلى الشخص بأمر هام، وهذا الرجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه وصيه وجيزة جامعة لخصال الخير؛ ليحفظها عنه.
• "لَا تَغْضَبْ": وصاه النبي صلى الله عليه وسلم ألا يغضب، ثم ردد هذه المسألة عليه مِرارًا، والنبي صلى الله عليه وسلم يردد عليه هذا الجواب، فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرز منه جِماع الخير.
• يحتمل أن يكون هذا الرجل السائل متصفاً بصفة الغضب، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى ما هو متعلق ومتصف به.
  
• وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الذي يملك نفسه عند الغضب، فقال من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "لَيسَ الشَّديدُ بالصُّرعَة، إنّما الشَّديدُ الذي يَملُكُ نَفسَهُ عِندَ الغَضَب" رواه البخاري ومسلم، ومدح الله  الكاظمين الغيظ في قوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}[آل عمران:134].
• وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كظم غيظًا -وهو يستطيع أن ينفذه- دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يُخيرَهُ من أي الحُور العين شاء" رواه أبو داوود والترمذي.

* كلمة "لاَ تَغْضَبْ" هل هي نَهيّ عن الغضب الذي هو طبيعي، أم  نَهيّ لما يقتضيه الغضب؟

• إن نظرنا إلى ظاهر اللفظ قلنا: "لاَ تَغْضَبْ" أي: الغضب الطبيعي، لكن هذا فيه صعوبة، ويمكن أن يُقال: اضبط نفسك عند وجود السبب حتى لا تغضب.
• والمعنى الثاني لقوله: "لاَ تَغْضَبْ" أي: لا تنفذ مقتضى الغضب.

* إذا وجد سبب الغضب، وغضبَ الإنسان فماذا يصنع؟

هناك دواء -والحمد لله- لفظي وفعلي.

• - الدواء اللفظي: إذا أحس بالغضب فليقل: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد غضب غضباً شديداً فقال: "إِنِّي أَعلَمُ كَلِمَةً لوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَايَجِد -يعني الغضب - لَو قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ" رواه البخاري.
• - الدواء الفعلي: إذا كان قائماً فليجلس، وإذا كان جالساً فليضطّجع، لأن تغير حاله الظاهر يوجب تغير حاله الباطن، أو يغتسل أو يتوضأ، إذ الغضب من الشيطان، والشيطان خُلِق من نار، والماء يطفئ النار؛ ولأن اشتغاله بالوضوء ينسيه الغضب.

* الفرق بين الغضب لله والغضب للنفس.

كيف يعرف الإنسان أنه غضب لله أو لنفسه إذا سابه شخص مثلاً؟

• الغضب لله يكون إذا انتهكت محارم الله، وإذا رأى أموراً منكرة يستطيع أن يغيرها بيده فيغيرها بيده إن كان من أهل القدرة، وإن كان من غير أهل القدرة فيتحول إلى الإنكار باللسان، وإذا لم يحصل هذا فلا أقل من أن يتأثر بقلبه، وأن يظهر ذلك على وجهه من حزنه وتألمه.
• فلا بد أن يتأثر قلبه لهذا المنكر، حتى إنه قد يحصل له ضرر بسبب هذا التأثر، فالغضب لله عز وجل يكون إذا تركت الأمور الواجبة وفُعلت الأمور المحرمة بحيث يغضب لله عز وجل.
• الغضب للنفس فهو فيما يجري بين الناس من أمور بسبب المخالطة، فيجري بينهم شيء من الخصام، أو شيء من النزاع لأمور دنيوية، أو لشيء في النفوس، فيحصل الكلام والغضب بسبب ذلك، في هذا شيء من حظ النفس، فيكون مذموماً، والذي كان من أجل الله تعالى فيكون محموداً.

* يقسم بعض الأطباء، الغضب إلى ثلاثة أقسام.

• الغضب الأخضر: وهو ممدوح ومطلوب، وذلك إذا كان لحرمات الله، ويكون في محله، ويكون لمصلحته، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى حرمات الله تنتهك يغضب لله .
• الغضب الأحمر: الغضب على الأشياء التوافه الذي يثير الإنسان لكنه في حدود التمكن.
• الغضب الأسود: الذي يعمي البصيرة ويطمس البصر، ويذهب عن الإنسان إدراكه، ولا يدري ماذا يفعل؟ فيضر نفسه، وهذا القسم من الغضب قد يرجع على صاحبه بالأذى، فقد يصاب بنزلة معوية، فتتضرر أعصاب المعدة فيمرض، وأقل آثاره أن يصاب بصداع شديد، وقد يحصل عليه شلل في المخ.

* ما يستفاد من الحديث السادس عشر.

• حِرص الصحابة رضي الله عنهم على الخير، وطلب ما ينفع، والتفقه في الدين، ويتبين ذلك في قول الرجل "أَوْصِنِي".
• تكرار الكلام حتى يعيه السامع ويدرك أهميته.
• حُسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه للسائل حيث خاطب السائل بما يناسب حاله.
• وصايا النبي تختلف من شخص لآخر؛ قال أهل العلم: اختلاف إجابات النبي تبعا لاختلاف السائلين، وهذا فيه بيان أن الرسول كان يراعي أحوال السائلين. 
• الغضب يمنع العدل في القول والعمل؛ فتكون عواقبه غير محمودة، فقد يفرق بين الزوجين، ويفرق بين الأب وابنه.
• البعد عن أسباب الغضب من الأقوال والأفعال. 
• الغضب منه المحمود ومنه المذموم.
• القوي هو الذي يملك نفسه عند الغضب.

•  بيان فضل كظم الغيظ، وأن من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه فمن ترك الغضب عوض الله بالحلم.

* القواعد المستنبطة من الحديث السادس عشر.

• قاعدة في الكلام والإرشاد والوصية: (كلما كان الكلام والوصية جامعة فهي مانعة).
• فكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمة واحدة "لَا تَغْضَبْ"، بعض الناس يوصي بوصية طويلة، فكلما كان الكلام كثيرا يعتريه النقص.

فهذا الحديث الذي فيه مجيء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبه منه الوصية الموجزة، فجمع له الخير كله، ودفع عنه الشر كله، بكلمة واحدة "لَا تَغْضَبْ" .

أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

#الأمر بالإحسان والرفق بالحيوان.