قفات مع شهر رجب .. أول الأشهر الحُرم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد ..
* شهر رجب أول الأشهر الحُرم.
- إن الله سبحانه وتعالى لما ابتدأ خلق السماوات والأرض جعل السَّنة اثنا عشر شهراً منها أربعةٌ حُرم.
- رجب هو أول الأشهر الحُرم الأربعة، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:36].
- وقد فصل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع الأشهر الحُرم، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ والأرْضَ، السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ، مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى، وشَعْبانَ" رواه البخاري.
- رجب: الراء والجيم والباء أصلٌ يدل على دعم شيء بشيء وتقويته ويُقال: رجبت الشيء أي عظّمته، فسُميَ رجبًا لأنهم كانوا يعظّمونه، وقد عظمته الشريعة أيضًا.
إقرأ أيضا
* أسماء شهر رجب.
ولشهر رجب أسماءً كثيرة منها الآتي:
- الأول: رجب؛ لأنه كان يُرَجب في الجاهلية، أي يُعَظم.
- الثاني: الأصَم، لأنهم لا يسمعون فيه قعقعة السلاح.
- الثالث: الأصب؛ لأن رحمة الله تعالى تُصب فيه صبًا على الناس.
- الرابع: رجم بالميم؛ لأن الشياطين تُرجَم فيه، أي: تطرد.
- الخامس: الهَرِم؛ لأن حرمته قديمة من زمن مُضَر بن نزار بن معد بن عدنان.
- السادس: المُقيم؛ لأن حرمته ثابتة لم تُنسخ، فهو أحد الأشهر الأربعة الحرم.
- السابع: المُبرئ؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يعِدون من لا يستحل القتال فيه بريئًا من الظلم والنفاق.
- الثامن: المُعلى؛ لأنه رفيع عند العرب بين الأشهر الحُرم.
- العاشر: منصل الأسنة، ذكره البخاري [من قول أبى رجاء العطاوى].
- الحادي عشر: المقشقش؛ لأن المتمسك بدينه في الجاهلية المحرم لرجب يبرأ من النفاق، فيمتاز عن المقاتل فيه المستحل له.
- الثاني عشر: شهر العتيرة؛ لأنهم كانوا يذبحون فيه العتيرة، وهي المُسماة الرجبية، نسبة إلى رجب.
* ما قيل في فضل شهر رجب.
- من جملة الدعاء المشروع عند رؤية هلال رجب، كما روى الإمام أحمد في المسند وغيره عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ، قَالَ: اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَبَارِكْ لَنَا فِي رَمَضَانَ"، وفي رواية غيره: "وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ".
- قال ابن رجب: "فيه دليل على ندبِ الدعاء بالبقاء إلى الأزمان الفاضلة لإدراك الأعمالِ الصالحةِ فيها؛ فإن المؤمن لا يزيده عمرُه إلا خيرًا".
- وقال أبو بكر الورَّاق: "شهرُ رجب شهر الزَّرع، وشعبان شهر السَّقي، ورمضان شهرُ حصاد الزَّرع".
- وقال: "شهر رجب مِثل الرِّيح، وشهر شعبان مِثل الغَيم، وشهرُ رمضان مثلُ المطَر".
- وقال بعضهم: "أيام السَّنَة مثل الشَّجرة، ورجب أيَّام تورِيقها، وشعبان أيامُ تفريعِها، ورمضان أيام قَطْفِها".
- فهذا الشهر فيه الاستعدا ﻷعظمِ مَواسمِ السَّنَة، وأفخمِ أعراسِها المباركة؛ شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن.
- وينبغي المحافظةُ على صيام أحدَ عشرَ يومًا وهم: "الاثنين والخميس من كلِّ أسبوع، وأيام البيض الثلاثة".
* بعض الأعمال المستحبه في شهر رجب.
- إن الواجب في مثل هذه الأشهر الحُرم ترك ظلم النفس فيهن بترك المُحرمات، وتجنب المنهيات، ولاستزادة من فعل الخيرات، والطاعات وعبادة الله تعالى من قيام وصيام وقراءة قرآن وغيرها من الطاعات.
- عبادة الله تعالى يكون في كل مكان وزمان، وتزيد في ما خصه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في غيره من الشهور حيث اختصت بعض الشهور ببعض العبادات كصيام، وصلاة، وذكر معين.
- شهر رجب أحد الأشهر الأربعة الحُرم التي قال الله عنها في كتابة العزيز: {فَلَا تظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}، فيجب على كل مسلم أن يلتزم حدود الله في نفسه وفي أهله، وفيما ولى الله كل واحد منا رعايته، وأن يتعلم أحكامه المتعلقة بهذا الشهر الحرام ومنها ما يلي:
- قال ابن حجر: "لم يَرِدْ في فضلِ شهرِ رَجَبٍ ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معيَّن، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديثٌ صحيحٌ يصلحُ للحُجَّة".
- لا يجوزُ أن يذبح المسلمُ ذبيحةً تعظيمًا لشهر رجب، فعن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ عن النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "«لا فرعَ ولا عَتيرَةَ»، والفرعُ: أوَّلُ النِّتاجِ، كانوا يَذبحونَهُ لطواغِيتِهِم، والعتيرَةُ في رجَبٍ" رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
- كلُّ ما وَرَدَ في فضل صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلُّها ضعيفةٌ بل موضوعةٌ، قال ابن القيم: "كُلُّ حديثٍ في ذِكْرِ صَوْمِ رجَبٍ وصلاةِ بعضِ الليالي فيهِ فهُوَ كَذِبٌ مُفْتَرىً"
- الذي يُشرع في رجب من الصيام هو ما يُشرع في غيره من الشهور، من صيام الاثنين والخميس، والأيام الثلاثة البيض، وصيام يوم وإفطار يوم.
- لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فضل خاص لأداء العمرة في شهر رجب، أو ترغيب فيها، لكن لو ذهب الإنسان للعمرة في شهر رجب من غير اعتقاد فضل معيّن بل كان مصادفة أو لأنّه تيسّر له السفر في هذا الوقت فلا بأس بذلك، والعمرة جائزة في أي وقت وفي أي شهر من السنة وأفضلها في رمضان وأشهر الحج.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا لتعظيم حُرماته وشعائره، وأن يُعيذنا من الظُلم في الأشهر الحًرم وفي غيرها.
* أحداث وقعت في شهر رجب.
- الهجرة الأولى إلى الحبشة وكانت في السنة الخامسة من المبعث بقيادة سيدنا عثمان رضي الله عنه.
- سرية عبد الله بن جحش الأسدي رضي الله عنه.
- غزوة تبوك في غرة شهر رجب في العام التاسع من الهجرة.
- الرسول صلى الله عليه وسلم ينعى النجاشي للمسلمين في العام التاسع من الهجرة.
- فتح بيت المقدس في رجب في السنة السادسة عشر للهجرة، وتحرير صلاح الدين الأيوبي لبيت المقدس في يوم الجمعة الموافق 27 رجب سنة 583 هجرية.
* هل ليلة الإسراء والمعراج كانت في شهر رجب؟
- لقد اعتقد كثير من الناس أن ليلة الإسراء والمعراج كانت في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، والتحقيق أن العلماء قد اختلفوا اختلافاً كبيراً في يوم الإسراء، بل في شهر الإسراء، بل في سنة الإسراء!!
- - قال السدي: كان الإسراء في شهر ذي القعدة.
- - قال الزهري: كان الإسراء في شهر ربيع الأول.
- - قال ابن عبد البر: كان الإسراء في شهر رجب.
- - قال النووي: كان الإسراء في شهر رجب.
- - قال الواقدي: كان الإسراء في شهر شوال.
- - قول آخر قال: كان في شهر رمضان.
- وقيل: كان الإسراء قبل الهجرة بستة أشهر، وقيل: كان الإسراء قبل الهجرة بتسعة أشهر، وقيل: كان الإسراء قبل الهجرة بسنة، وقيل: كان الإسراء قبل الهجرة بسنة وستة أشهر، وقيل: كان الإسراء قبل الهجرة بثلاث سنين، حكاه ابن الأثير، ومن ثم فإن اليوم والشهر والعام للإسراء لا يعلمه إلا الله.
كانت هذه بعض الوقفات عن شهر الله المُحرم شهر رجب.
أسأل الله تعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يعيننا على استغلال مواسم الخير .. اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة، واصرف عنا كل سوء وهم.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
تعليقات
إرسال تعليق