الحديث السابع عشر من الأربعين النووية: الأمر بالإحسان والرفق بالحيوان.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد ..
موعدنا اليوم متابعي مدونة -طريقة للجنة- ومع حديث جديد من أحاديث الأربعين النووية، وهو الحديث السابع عشر: الأمر بالإحسان والرفق بالحيوان.
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرزقنا العمل بها؛ لننال شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
* فهيا بنا لنستمع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم *
عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ -رضي الله عنه- عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ
الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ،
وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ،
وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" رواه مسلم.
* بيان معاني الحديث السابع عشر.
- إنَّ اللَّهَ كَتَبَ: أي طلب وأوجب؛ المراد هنا: مطلق الطلب؛ لأنه أعم فائدةً، فالإحسان الواجب: أن يأتي بما وجب عليه من فعلٍ أو تركٍ مستوفيًا لشروطه.
- الْإِحْسَانَ: مصدر "أحسن يُحسِن"، إذا أجاد وأتقن وأتى بالشيء على أحسن الوجوه وأكملها، والمراد به هنا: تحسين الأعمال المشروعة، لا مجرد الإنعام على الغير؛ لأن الإحسان في الفعل يعود منه نفع عليه وعلى غيره.
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ: أي في كل شيء، يعني أن الإحسان ليس خاصاً بشيء معين من الحياة بل هو في جميع الحياة.
فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ: أردتم قتل من يجوز قتله، وهي الهيئة والحالة، بأن تختاروا أسهل الطرق وأخفها إيلامًا وأسرعها زهوقًا.
* القتل يكون بأحد هذه الأمور:
- إما جهاد في سبيل الله.
- إما قِصاص.
- إما حَدًا كما تقدم في الحديث: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ [يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله] إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ" رواه البخاري ومسلم.
إقرأ أيضا
- وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ: الذَّبح يكون للشَّاة وللدجاج مأكول اللحم، أي: ما يحل ذبحُه من الحيوانات، والمراد باحسان الذبح في البهائم: الرفق بها.
وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ: أي السكين، وحدُّها يعني حكها حتى تكون قوية القطع، أي يحكها بالمبرد أو بالحجر أو بغيرهما حتى تكون حادة يحصل بها الذبح بسرعة.
وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ: اللام للأمر، أي: وليرح ذبيحته عند الذبح بحيث يمر السكين بقوة وسرعة.
* شرح معاني الحديث السابع عشر.
- هذا الحديث فيه أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإحسان يكون في كل شيء، وأنه ليس خاصاً ببعض الأمور أو الأحوال وإنما هو عام.
- فالإحسان يشمل إحسان العبد عمله لله عز وجل؛ فلا بد أن يكون فيه محسناً أي متقنًا من جميع الوجوه، فالله خلق كل شيء على أحسن ما يكون، قال تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة:7].
- ويكون الإحسان أيضاً في من يستحق القتل؛ وذلك بأن يقتل القتلة التي فيها خروج روح المقتول بسهولة من غير تعذيب أو تمثيل، وسواء كان ذلك في قتال الكفار، أو قتل القاتل قصاصاً، أو حداً.
* معنى الإحسان في القصاص والحدود.
- من قتل قصاصاً فإنه يقتل بالطريقة التي قتل بها، فإذا كان قد مُثِلَ بالمقتول، أو قتلهُ بالحِجارة، فإنه يُقتَل بالطريقة التي قُتِلَ بها.
- القصاص يعني: أنه يقتص منه كما فعل؛ لكنه إذا قتل حرقاً بالنار، فقد جاء في الحديث: "لا يُعذِب بالنَّار إلا رَبُ النَّار"، فلا يحرق بالنار، وإنما إذا حصل منه القتل بطريقة فيها شدة وفيها سوء، فإنه يعامل بتلك المعاملة التي عامل بها غيره.
- كذلك إذا كان القتل حداً فإنه يقتل بسهولة وتزهق روحه بأقرب طريق يكون فيها خروج روحه بدون تعذيب وبدون تمثيل.
* ثم بين
عليه الصلاة والسلام بعد ذلك ما ينبغي ويجب أن يتخذ عند ذبح الحيوان، حتى تزهق
روحه بسهولة.
- وذلك بأن يتفقد الإنسان الآلة التي يكون الذبح بها، وأن تكون حادة، وأن يتحقق من كونها تذبح بسهولة، فلا تكون حادة فيتعذب الحيوان عند ذبحه بها
- ومن إحسان الذبح في البهائم ألا يصرعها، ويوجهها إلى القِبلة، والتسمية، والإجهاز، ونية التقرب إلى الله بذبحها، وإراحتها، وتركها إلى أن تبرد، وشكر الله حيث سخرها لنا ولم يسلطها علينا، ولا يذبحها بحضرة أخرى.
- أيضًا أن يُرِحْ ذبيحته بعرض الماء عليها قبل ذبحها لتشرب، وأن يسوقها إلى موضع الذبح برفق، وأن يضجعها بمكان سهل غير وعِر، وأن يجعل إمرار السكين عليها بقوة؛ ليسرع موتها فتستريح من ألمه.
* ما يستفاد من الحديث السابع عشر.
- الحث على الإحسان في كل شيء، لأن الله تعالى كتب ذلك أي شرعه شرعًا مؤكدًا.
- رأفة الله عزّ وجل بالعباد، وأنه كتب الإحسان على كل شيء، ويدخل في ذلك الإحسان إلى شخص تدله على الطريق، وكذا إطعام الطعام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من القتل والذبح مُجرَد أمثلة.
- إنك إذا قتلت شيئاً يُباحُ قتله فأحسن القتلة.
- في الحديث الحث على الرحمة والشفقة بالحيوان، والإسلام له السبق في هذا الميدان، قبل جماعات الرفق بالحيوان.
- تحريم كل ما فيه تعذيب للحيوان.
الرفق بالمقتول والمذبوح من حيوان وغيره؛ وذلك بإحسان القتل، وكذلك الذبح وحَدّ الآلة.
النهي عن التمثيل والتعذيب في المذبوح، أو المقتول فهنا الإحسان واجب.
- بيان سماحة الشريعة ويسرها؛ حيث بُنِيَت على الإحسان والإتقان.
* القواعد المستنبطة من الحديث السابع عشر.
- قاعدة في الحديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء).
- المثالان هما: "إذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة".
- قاعدة في الحياة: (كل شيء في هذه الحياة فيه جانب من جوانب الإحسان كتبه الله تعالى فيه).
- يجب على الإنسان أن يستفيد من جانب الإحسان، ويطبقه في توجيهاته وفي دعوته وفي معاملاته مع الآخرين.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
تعليقات
إرسال تعليق