الحديث الثامن عشر من الأربعين النووية: اتقِ الله حَيثُما كُنت.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد ..
أهلًا بكم متابعي مدونة -طريقة للجنة- ومع حديث جديد من أحاديث الأربعين النووية، وهو الحديث الثامن عشر: اتقِ الله حَيثُما كُنت.
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرزقنا العمل بها؛ لننال شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
* فهيا بنا لنستمع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم *
الحديث الثامن عشر: اتقِ الله حَيثُما كُنت.
عَنْ
أَبِي ذَرٍّ جُنْدَبِ بْنِ جُنَادَةَ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ
الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" رواه الترمذي وقال حديث حسن.
* بيان معاني الحديث الثامن عشر.
- اتَّقِ اللَّهَ: اتخذ وقاية وحاجزًا يمنعك ويحفظك من سخط الله وعقابه، وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
- حَيْثُمَا كُنْت: حيث: ظرف مكان، أي في أي مكان كنت سواء في العلانية أو في السر.
- وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ: ألحق الذنب الذي يصدر منك.
- الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا: أي الحسنة تزيل السيئة التي صدرت منك، والمعنى: إذا فعلت سيئة فأتبعها بحسنة، فهذه الحسنة تمحو السيئة.
- وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ: أي تخلَّق وجاهد نفسك بلزوم أحسن الأخلاق في معاملة الناس.
* شرح معاني الحديث الثامن عشر.
اشتمل هذا الحديث على وصايا ثلاث هي:
- الوصية الأولى: لزوم التقوى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت"
- أصل التقوى: الوقاية، من أي شيء يأخذ حاجزًا وساترًا يقيه مما يخافه؟ وفي الحديث: " اتقوا النار ولو بشق تمرة" أي: اجعل حاجزًا ووقاية بينك وبين النار، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6].
- إضافة التقوى إلى الله تعالى، أي: اتخذ وقاية بينك وبين ما يصيبك من عذاب الله؛ بفعل الواجبات وترك المنهيات.
- ومما يعين على التقوى استحضار أن الله تعالى مطلع على العبد في سائر أحواله؛ قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ ... الآية} [المجادلة: 7].
- إذًا حقيقة التقوى كما قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله: ترك ما حرم الله تعالى، وأداء ما افترض الله، فمن رزق بعد ذلك خيرًا فهو خيرٌ إلى خير.
* من هم المتقون؟
- في بداية القرآن الكريم نجد تعريف للمتقين في أول سورة البقرة في قوله تعالى: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:1-2]، من هم المتقون؟ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة:3-4].
- ونجد في موضع أخر من القرآن تكملة لصفات المتقين في قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، من هم المتقون؟ {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:134-136].
- وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201].
- التقوى خير زاد يوصل إلى الآخرة قال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197].
- وبالتقوى تكون موازنة الخلق وتقويم البشر قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
- التقوى وصية الله تعالى لجميع الأمم قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131].
- وبين سبحانه وتعالى أن أعلى منزلة للتقوى هي معية الله تعالى بتأييده ونصرته قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128].
- وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر:54]، أين؟ {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55].
* قوله "حَيْثُمَا كُنْت"
- "حيث" تكون للمكان، وللزمان، أي: إذا كنت في أي مكان فاتقِِ الله حيثما كنت، لماذا؟ لأن الله مطلع عليك أينما توجهت، لأنك تتعامل مع الله.
- ولها معنى آخر: أي كيفما كنت، وعلى أية حالة تكون فيها مع الناس يجب أن يكون معيارك تقوى الله.
- الوصية الثانية: اتباع السيئة الحسنة.
- تأتي بعد ذلك الوصية الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: "وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا" ومع أنك تتقي الله كيفما كنت وحيثما كنت، فإن وقعت منك زلة، أو أسأت إساءة فأتبعها بالحسنة.
- وفي بعض وصايا النبي صلى الله عليه وسلم: "وإذا عصيت ربك في مكان فأطعه فيه" أي: المكان الذي عصيت فيه أحدث طاعة؛ لأن المكان سيأتي ويشهد للإنسان له أو عليه قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات} [هود:114].
- إذًا ألحق السيئة الصادرة منك حسنة كصلاة، أو صدقة، أو استغفارًا، أو بالباقيات الصالحات "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" فإنهنّ أحب الكلام إلى الله تعالى.
- فإن فعلت ذلك فإنك تدفع الحسنةُ السيئةَ وترفعها، والمراد: يمحو الله بها آثارها من القلب، أو من ديوان الحفظة؛ وذلك لأن المرض بضده؛ فالحسناتُ يُذهِبْنَ السيئات.
- الوصية الثالثة: حُسنُ الخُلق.
- قوله صلى الله عليه وسلم: "وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" أي: عامل الناس بخلق حسن.
- والخُلقُ هو صفة باطنة في الإنسان، والخَلقُ هو الصفة الظاهرة، والمعنى: عامل الناس بالأخلاق الحسنة بالقول والفعل.
- قال بعضهم عن الخُلقُ الحَسن: كفُ الأذى، وبذل الندى "أي: العطاء"، والصبر على الأذى "أي: على أذى الغير"، والوجه الطَلق.
- ضابط ذلك كله ما ذكره الله تعالى في قوله: {خُذِ الْعَفْوَ} أي: خذ ما عفا وسهل من الناس، وما تيسر مما تُحب {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]، فإن فاعل ذلك يرجى له في الدنيا الفلاح، وفي الآخرة الفوز بالنجاة والنجاح.
- قال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا" رواه الترمذي.
- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم"رواه أبو داوود.
* ما يستفاد من الحديث الثامن عشر.
- الأمر بتقوى الله تعالى وهي وصية الله تعالى لجميع خلقه، ووصية كل نبي لأمته.
- الحث على فعل الطاعات واجتناب المنهيات.
- فضل الله جل وعلا على عباده حيث جعل لهم ما يكفر به السيئات وهي الحسنات ودل على ذلك من القرآن قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات}، ومن السنة حديث اليوم "وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا".
- الترغيب في حُسن الخُلق، والحَث على معاملة الناس بالخُلق الحسن المناسب لكل مَقام.
- بيان أن الخُلق الحسن أثقل ما يوضع في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة.
* القواعد المستنبطة من الحديث الثامن عشر.
- قاعدة في الحسنات والسيئات: كل حسنة إما ترفع درجة أو تذهب سيئة.
- قاعدة في التعامل: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به.
أسأل
الله تعالى أن يوفقنا وإياكم إلى تقوى الله، وأن يجعلها غايتنا، وأن يملأ
قلوبنا بتقوى الله وخوفه وعظيم رجائه، وأن يوفقنا وإياكم إلى اجتناب السيئات، وأن
يعيننا وإياكم على فعل الحسنات، وأن يجملنا وإياكم بمكارم الأخلاق.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد صلى الله وآله وصحبه وسلم، الذي مدحه الله بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].
تعليقات
إرسال تعليق