أهمِية النِّية والإخلاص لله في قَبول الأعمَال
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد
..
- عن عَمرَ بن الخَطاب رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: سَمعتُ رَسولَ اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَسلَمَ يَقول: "إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ مَا نَوى .. الحديث" رواه البخاري.
- دل الحديث على أن النِّية مِعيار لتصحيح الأعمال، فحيث صلحت النِّية صلح العمل، وحيث فسدت النِّية فسد العمل.
- قال النوويُّ في شرْح الحديث ما مختصره: "أجمع المسلمون على عِظم موقع هذا الحديث، وكَثرة فوائده وصحَّته"
- قال الشافعي وآخَرون: "هو ثُلُث الإسلام"، ويدخُل في سبعين بابًا من الفِقه.
- وقال آخرون: "هو ربُع الإسلام".
* مَعنى النِّية.
- لغة: القصد، يٌقال: نواك الله بخير أي قصدك.
- شرعًا: قصد الشيء مقترنا بفعله، وشُرٍعًت النِّية لتمييز العادة من العبادة، أو لتمييز رُتَب العبادة بعضها عن بعض.
* أمثلة على تمييز العَادة من العِبادة.
- - مثال على تمييز العادة عن العبادة: الجلوس في المسجد قد يُقصد به الاستراحة في العادة، وقد يُقصد به العبادة بنِيَة الاعتكاف.
- فالمميز بين العادة والعبادة هو النِّية، وكذلك الغُسل قد يقصد به تنظيف البدن في العادة، وقد يقصد به العِبادة فالمميز هو النِّية.
- وإلى هذا المعنى أشار النَّبيّ صَلى اللهُ عَليهِ وَسلَمَ حين سُئل عن الرجل يُقاتل رياءً، ويُقاتل حِميَة، ويُقاتِل شجاعة أي ذلك في سبيل الله تعالى؟؛ فقال: "مَن قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيَا، فَهو في سَبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ" رواه البخاري ومسلم.
- مثال على تمييز رُتَب العِبادة: فمن صلى أربع ركعات قد يقصد إيقاعها عن صلاة الظهر، وقد يقصد إيقاعها عن السنن فالمميز هو النِّية.
- وكذلك الصِّيام قد يقصد به الفريضة، وقد يقصد به نافلة كصيام الأيام البيض ونحوها فالمُميِز هو النِّية.
- والنِّية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة، وتكون النِّية قبل العمل.
- تجب في النِّية حضور القلب، وصدق العزيمة، والإخلاص لله تعالى لا خاطرًا فقط.
- لو علم المسلم فضل النِّية وعظمتها لتأسف حسرة وندامة على ما فاته من عظيم الأجور
* معنى الإخلاص.
- هو إفراد الله تعالى بالقصد في الطاعات قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}[البينة:5].
- وقد يَعرِض للإخلاص آفة العُجب والرِّياء
والرياء
نوعان:
- أحدهما: أن يُريد الناس، ورب الناس وهو بذلك يطلب الدنيا والآخرة، فذهب بعض أهل العلم إلى أن عمله مردود لقول رَسولَ اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَسلَمَ: "أنا أغْنَى الشُّركاءِ عنِ الشِّركِ ، مَنْ عمِلَ عملًا أشركَ فيه معِيَ تركتُهُ وشِركَهُ"رواه مسلم.
- الثاني: لا يريد بطاعته إلا الناس وكلاهم محبط للعمل
للنِّية فضائل
عظيمة؛ لأنها تجعل المسلم يجمع الكثير من الحسنات بدون مشقة أو تعب، ومن فضائلها ما يلي:
- حديث النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ عبدٍ رزقَهُ اللَّهُ مالًا
وعلمًا فَهوَ يتَّقي ربَّهُ فيهِ ويصلُ فيهِ رحمَهُ ويعلمُ للَّهِ فيهِ حقًّا
فَهذا بأفضلِ المنازلِ وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ علمًا ولم يرزقْهُ مالًا فَهوَ صادقُ
النِّيَّةِ يقولُ لو أنَّ لي مالًا لعملتُ بعملِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فأجرُهما
سواءٌ.. الحديث" صحيح
ابن ماجه.
* فائدة من الحديث:
- إنوي لو أن لك مالاً ووصلت به رحِمك، أو بررت به والديك،أوساعدت الفقراء والمساكين والمُحتاجين، أو بنيت به المساجد ووزعت المصاحف، أو بنيت دارا للأيتام وتحفيظ القرآن ونشرت به العلم بين الناس ولصرفته في كل أوجه الخير
عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: "كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في غَزَاةٍ، فَقالَ: إنَّ بالمَدِينَةِ لَرِجَالًا ما سِرتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعتُمْ وَادِيًا، إلَّا كَانُوا معكُم، حَبَسَهُمُ المَرَضُ" رواه مسلم.
* فائدة من الحديث:
أن الإنسان إذا نوى العملَ الصالحَ، ولكنه حبسه عنه حابس؛ فإنه يُكْتَب له أجرُ ما نوى.
- لحديث النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا»؛ فالمُتَمَنِّي للخير، الحريص عليه؛ إنْ كان من عادته أنه كان يعمله، ولكنه حبسه عنه حابسٌ، كُتِبَ له أجرُه كاملًا.
* ومن أمثلة ذلك:
- إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي مع الجماعة في المسجد، ولكنه حبسه حابس؛ كنوم أو مرض، أو ما أشبهه، فإنه يُكْتَب له أجر المصلي مع الجماعة تمامًا من غير نقص.
- إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي تطوعًا، ولكنه منعه منه مانع، ولم يتمكَّن منه؛ فإنه يُكْتَب له أجره كاملًا.
- إنْ كان من عادته أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ثم عجز عن ذلك، ومنعه مانع، فإنه يُكْتَب له الأجرُ كاملًا.
- أما إذا كان ليس من عادته أن يفعله؛ فإنه يُكْتَب له أجرُ النِّيَّة فقط، دون أجر العمل
- عن أبي الدَردَاء رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: "مَن أتى فراشَه وَهوَ ينوي أن يقومَ يصلِّي منَ اللَّيلِ ، فغلَبتهُ عيناهُ حتَّى أصبحَ كُتِبَ لَه ما نَوى وَكانَ نومُهُ صدقةً عليهِ من ربِّهِ ، عزَّ وجلَّ" رواه النَّسائيّ.
فائدة من الحديث:
- أنوي قيام الليل قبل أن تنام؛ حتى لا يفوتك أجر قيام الليل.
- قم الليل ولو بركعة الوتر، كما جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما عنالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قال: "اجعَلُوا آخر صلاتكم بالليل وترًا"، متفق عليه.
- عن عَبد الله سَهل بن حنيف رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قال: "من سألَ اللَّهَ الشَّهادةَ صادقًا بلَّغَه اللَّهُ منازلَ الشُّهداءِ وإن ماتَ علَى فراشِه" رواه مسلم.
* فائدة من الحديث:
- إعلم أنك تبلغ منازل الشهداء بصدق نيتك، وصدق النِّية هي: إرادة الله تعالى بالعبادة مع حضور القلب إليه فكل صادق مخلص وليس كل مخلص صادق.
- لا تنسى أن تسأل الله الشهادة في جميع دعائك.
* من أقوال العلماء في فضل النية.
- قال بعض السلف" رُبَّ عملٍ صغير تعظُمُه النِّية، ورُبَّ عملٍ كبير تصغُرُه النِّية".
- وقال يحيى بن كثير" تعلموا النِّية فإنها من أبلغ العمل".
- قال بعض العلماء" تجارة النيات تجارة العلماء"، والمعنى: أن العلماء هم الذين يعلمون كيف يعاملون ربهم عز وجل ويربحون منه سبحانه أعظم ربح.
- فكانوا يجمعون في الطاعة الواحدة نيات كثيرة، وأما في المباحات فما من شيء منها إلا ويحتمل نية أو نيات فيصير بها من محاسن القربات.
- كما قال بعضهم" إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي".
- ونصح آخر فقال" لا تعملن عملًا إلا بنية".
- وقد أجاز بعض العلماء بجمع أكثر من نية في عمل واحد.
- لكن لا يجوز أن ننوي بعمل واحد فريضة ونافلة؛ كمن يصوم صيام الفرض وينوي مع الفرض صيام التطوع.
- أن ينوي المسلم أن يعبد الله وحده لا شريك له ما دام حيًّا.
- أن ينوي المسلم أن يُطبق حديث رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: "ما نَهَيْتُكُمْ عنْه فَاجْتَنِبُوهُ، وَما أَمَرْتُكُمْ به فَافْعَلُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ" رواه البخاري ومسلم.
- وهناك نية أخرى تلي هاتان النيتان وهي: أن تنوي أن تتقرب إلى الله عز وجل بفعل النَّوافل والمُستحبات، وأن تبتعد عن كل ما يكره، وعن جميع الشُبهات بقدر استطاعتك.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرزقنا الإخلاص والقبول في القول والعمل
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآلخ وصحبه وسلم.
تعليقات
إرسال تعليق