أذكار الإستفتاح في الصلاة
* ما هي أذكار وأدعية الإستفتاح في الصلاة، وما حكمها؟
- لقد ثبت عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنواعٌ من الأذكار والأدعيَّة يُستفتحُ بها المسلمُ صلاتَه فرضَها ونفلَها.
- لم يكن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُداومُ على استفتاحٍ واحد، بل كان يستفتحُ بأنواعٍ من الاستفتاحات.
- هذه الأدعية والأذكار في الجملة مشتملة على تعظيم الله وتمجيدِه وحُسن الثناء عليه تبارك وتعالى بما هو أهله، وسؤاله مغفرة الذنوب.
- لا يلزم المسلمَ نوعٌ معيَّن من هذه الأنواع، بل بأيٍّ منها أخذ لا حرج عليه، والأوْلَى أن يفعل بعضَها تارة وبعضَها تارة؛ لأنَّ ذلك أكملُ في الاتِّباع.
* صيغ الإستفتاح في الصلاة، وفائدة كل صيغة.
* الصيغة الأولى للإستفتاح في الصلاة.
- «يُباعِدَ بين العبد وبين خطاياه» وهي الذنوب كما باعد بين المشرق والمغرب، وذلك بمَحو الذنوب وعدم المؤاخذة عليها والتوفيق للبُعد عنها.
- «ينقيه من خطاياه» أي: ينظفه منها كما ينظف الثوب الأبيض من الدَّنَس بحيث لا يبقى فيه أيُّ أثَر.
- «يغسلَه من خطاياه» بالثلج والماء والبَرَد، وفي هذا إشارةٌ إلى شدِّة حاجة القلب والبَدن إلى ما يطهِّرهما ويبردهما ويقويهما.
* الصيغة الثانية للإستفتاح في الصلاة.
- وهذا الاستفتاح أُخلِص للثناء على الله سبحانه وتنزيهه عن كلِّ ما لا يليق به، وأنَّه تبارك وتعالى منزَّهٌ عن كلِّ عيب، سالمٌ من كلِّ نقص، محمودٌ بكلِّ حمد.
- ومعنى قوله: «وتَعَالَى جَدُّكَ»، أي: ارتفعت وعلَت عظمتُك، وجلت فوق كلِّ عظمة، وعلا شأنُك على كلِّ شأن، وقهر سلطانُك على كلِّ سلطان.
- فتعالى جدُّه تبارك وتعالى أن يكون معه شريك في المُلك أو الربوبية أو الألوهية، أو في شيء من أسمائه وصفاته، كما قال مؤمنو الجنِّ: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً} [الجنّ:3]، أي: تعالت عظمتُه وتقدَّست أسماؤه من أن يكون له صاحبة أو ولد.
- وقوله: «ولا إله غيرك»، أي: لا معبود بحقٍّ سواك.
- فاشتمل هذا الاستفتاح العظيم على أنواع التوحيد الثلاثة؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
* الصيغة الثالثة للإستفتاح في الصلاة.
- هذا كلُّه ذِكرٌ لله وثناءٌ عليه سبحانه بهذه الكلمات العظيمة: "الله أكبرُ كبيراً، والحمدُ لله كثيراً، وسبحان اللهِ بُكرةً وأصيلاً". 
- فكلُّ هذا الذكر والدعاء تكبيرٌ وتحميدٌ وتسبيحٌ لله، فهو مُخلصٌ في الثناء على الله عزَّ وجلَّ. 
* الصيغة الرابعة للإستفتاح في الصلاة.
ومن
الاستفتاحات الواردة ما رواه مسلم في صحيحه عن عليٍّ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ قَالَ:
وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا
مِنَ المُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ
العَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ،
اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا
عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي
جَمِيعاً، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، واهْدِنِي لأَحْسَنِ
الأَخْلاَقِ، لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي
سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ، لَبَّيْكَ
وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ،
أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ
إِلَيْكَ». صحيح مسلم.
- في هذا الذكر والدعاء خبر من العبد عمّا ينبغي أن يكون عليه من ذُلٍّ وخضوع وانكسار بين يدي فاطر السموات والأرض.
- وقوله: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ»، أي: أخلصتُ دينِي وعملي، وقصدتُك وحدك بعبادتِي وتوجُّهي، وقوله: «حنيفاً»، أي: مائلاً عن الشِّرك إلى التوحيد.
- وقوله: «إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ»، خصَّ هاتَين العبادَتَين الصلاة والنُّسُكَ وهو الذبح بالذِّكر؛ لشرفهما وعِظَم فضلهما، ومَن أخلص في صلاته ونُسُكِه استلزم إخلاصه لله في سائر أعمالِه.
- وقوله: «مَحْيَايَ وَمَمَاتِي»، أي: ما آتيه في حياتِي، وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح كلُّه لله ربِّ العالمين، لا شريك له في شيء من ذلك.
- وقوله: «اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعاً، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ»، فيه التوسُّل إلى الله بملكه وألوهيته وربوبيته، واعترافُ العبد بأنَّه عبدٌ له ظالِمٌ لنفسه معترف بذنبه، وأنَّه سبحانه غافرُ الذنوب ولا يغفرها إلاَّ هو، وهو بهذا يطمع من ربِّه أن يغفر له ذنبَه.
- وقوله: «واهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ، لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ»، فيه سؤال الله الهدايةَ إلى الخُلُق الحسن، واعترافه بأنّه لا يهدي إليه إلاَّ الله، وأن يصرف عنه الخُلُقَ السيِّئ الرديء، واعترافه بأنَّه لا يصرفه عنه إلاَّ الله.
- وقوله: «لبَّيْك»، استجابة لنداء الله وامتثال أمره سبحانه، وقوله: «وسعديك»، أي: إسعاداً بعد إسعاد، والمراد: طاعة بعد طاعة.
- وقوله: «والخيرُ كلُّه في يَدَيْك»، أي: خزائنه عندك، وأنت المانُّ به المتفضِّل وحدك.
- وقوله: «والشَّرُّ ليس إليك»، فيه تنزيه الله عن الشرِّ أن يُنسب إليه، فالشرُّ لا يُنسب إلى الله بوجه من الوجوه، لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله، وإنَّما الشرُّ يدخل في مخلوقاته ومفعولاته، فالشرُّ في المقضي لا في القضاء، فتبارك وتعالى عن نسبة الشرِّ إليه، بل كلُّ ما نُسب إليه فهو خير.
- وقوله: «وأنا بكَ وإليكَ»، أي: بك أستجير وإليك ألتجئ، أو بك أحيا وأموت وإليك المرجع والمصير.
- وقوله: «تباركتَ وتعاليتَ»، فيه إثبات استحقاقه سبحانه الثناء والتعظيم. 
- ثم ختم هذا الاستفتاح بالاستغفار والتوبة. 
* أنواع استفتاحات الصلاة.
- نوعٌ فيه الثناءُ على الله.
- نوعٌ فيه إخبارٌ من العبد عن عبادة الله.
- نوعٌ فيه دعاءٌ وطلب.
وقد قرَّر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أصلاً عظيماً في هذا الباب وأطال في ذِكر شواهده ودلائله، ألا وهو أنَّ:
- أعلى الذِّكر ما كان ثناءً على الله. 
- يليه ما كان خبراً من العبد عن عبادة الله. 
- يليه ما كان دعاءً من العبد. 
ثم قال رحمه الله عقب ذلك: إذا تبيَّن هذا الأصل، فأفضلُ أنواع الاستفتاح ما كان ثناءً محضاً، مثل:
- قوله: «سبحانك اللَّهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك». 
ولكنْ ذاك فيه من الثناء ما ليس في هذا، فإنَّه تضمَّن ذِكرَ الباقيات الصالحات التي هي أفضلُ الكلام بعد القرآن، وتضمّن قوله: «تبارك اسمك وتعالى جدُّك»، وهما من القرآن أيضاً.
- لهذا كان أكثرُ السلف يستفتحون به، وكان عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه يجهر به يُعلِّمُه الناسَ. 
- وبعده النوعُ الثاني وهو الخبر عن عبادة العبد، كقوله: « وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً..... الدعاء»، وهو يتضمَّن الدعاء. 
- وإن استفتح العبدُ بهذا بعد ذلك فقد جمع بين الأنواع الثلاثة، وهو أفضلُ الاستفتاحات كما جاء ذلك في حديثٍ مُصرَّحاً به. 
- وبعده النوعُ الثالث، كقوله: «اللَّهمَّ باعِد بينِي وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ... الدعاء». 
- - أحدهما: في جواز تلك الوجوه كلِّها بلا كراهة.
- - المقامُ الثاني: هو أنَّ ما فعله النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم من أنواعٍ متنوِّعة، وإنْ قيل إنَّ بعضَ تلك الأنواع أفضلُ، فالاقتداءُ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في أن يُفعل هذا تارةً وهذا تارة أفضلُ من لزوم أحد الأمرين وهجر الآخر، وذلك أنَّ أفضلَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يُداومُ على استفتاح واحد قطعاً.
* من أدعية الإستفتاح لصلاة الليل.
- هذا الذِّكر تضمَّن الأنواعَ الثلاثة المتقدّمة: الثناءَ على الله، والإخبارَ من العبد عن عبادة الله، والسؤالَ والطلب.
- وقدَّم ما هو خبرٌ عن الله واليوم الآخر ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر ما هو خبرٌ عن توحيد العبد وإيمانه، ثم ختمه بالسؤال والطلب.
- وهو في الجملة ذكرٌ عظيمٌ ودعاءٌ مبارَكٌ مشتملٌ على أصول الإيمان وأُسُسِ الدِّين وحقائق الإسلام.
- فيه التوسُّلُ إلى الله بحمده والثناء عليه والإقرار بعبوديته، ثم سؤالُه تبارك وتعالى مغفرةَ الذنوب.
- هذا فيه التوسُّل إليه سبحانه بربوبيته العامة والخاصّة لهؤلاء الثلاثة من الملائكة الموكلين بالحياة.
- فجبريل موكَّلٌ بالوحي الذي به حياةُ القلوب والأرواح.
- ميكائيل موكَّلٌ بالقَطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان.
- إسرافيل موكَّلٌ بالنفخ في الصُّور الذي به حياة الخلق بعد مماتِهم.
- التوسُّلٌ إليه سبحانه بكونه فاطر السموات والأرض، أي: خالقهما ومبدعهما، وبعلمه سبحانه الغيب والشهادة، أي: السِّرَّ والعلانيةَ، وبأنَّه سبحانه هو الذي يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون، أن يهديه لِما اختلف فيه من الحقِّ بإذنه.
- الهدايةُ هي العلمُ بالحقِّ مع قصده وإيثاره على غيره.
- المهتدي هو العاملُ بالحقِّ المريد له، وهي أعظم نعمة لله على العبد.
 





تعليقات
إرسال تعليق