فَضلُ الإخلَاص وَثَمَرَتُه
الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فهذا حديث عن
الإخلاص.
* فَضلُ الإخلاص.
- إخلاص الأعمال لله أصل الدين، وبذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[الزمر:2].
- وأُمِرَ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَليهِ وَسلَمَ أن يُبَيِنَ أن عبادته قائمة على الإخلاص، فقال سبحانه: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[الزمر:11].
- وبذلك أمرت جميع الأمم قال جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينة:5].
- وأحق الناس بشفاعة النَّبِيّ صَلى اللهُ عَليهِ وَسلَمَ يوم القيامة من كان إخلاصهم لله، قال أبو هريرة رضي الله عنه: "مَنْ أسعدُ الناس بشفاعتك يا رسُولَ الله؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه" رواه البخاري.
- والإخلاص مانع بإذن الله من تسلط الشيطان على العبد، قال تعالى عن إبليس: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص:82-83].
- والمُخلِص محفوظ بحفظ الله من العصيان والمكاره، قال سبحانه عن يوسف عليه السلام: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف:24].
- به رفعة الدرجات وطَرْقُ أبواب الخيرات، قال عليه الصلاة والسلام: "إنك لن تُخَلَّف فتعمل عملًا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعه" متفق عليه.
- وإذا قوي الإخلاص لله علت منزلة العبد عند ربه، قال بكرٌ الميزاني رحمه الله: "ما سبقنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه بكثير صلاةٍ ولا صيام، ولكنه الإيمانُ وقَرَ في قلبه والنُّصح لخَلقِه".
* ثَمَرةُ الإخلاص.
- وهو سبب لتفريغ الكروب، ولم ينجي ذا نون سوى إخلاصه لمعبوده "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين".
- والمخلص لربه مُجابُ الدعوة كما في قصة الثلاثة الذين انحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقال بعضهم لبعض: "إنه لا يُنَجيكُم الله من هذه الصخرة إلا أن تدعو الله بِصالِحِ أعمالكم، فقالوا: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت فخرجوا يمشون" متفق عليه
- بتجريد الإخلاص تزول أحقاد القلوب، وضغائن الصدور، قال النَّبِيّ صَلى اللهُ عَليهِ وَسلَمَ: "ثلاث لا يُغَّلُ عليهنَّ قلبُ مُسلِم: إخلاص العمل لله، ومُناصَحَة وُلَاةُ الأمر، ولُزُومُ جَمَاعَةُ المُسلِمين" رواه أحمد.
- في الإخلاص طمأنينة القلب، وشعور بالسعادة، وراحة من ذل الخلق، وهو أصل في قبول الطاعات. قال بن مسعود رضي الله عنه: "لا ينفع قول وعمل إلا بنية، ولا ينفع قول وعمل ونية إلا بما وافق السنة".
- والعمل وإن كان يسيرًا يتضاعف بِحُسنِ النِّيَة والصِّدق والإخلاص، قال النَّبِيّ صَلى اللهُ عَليهِ وَسلَمَ: "مَرَّ رجل بِغُصنِ شجرة على ظهر طريق فقال: والله لأُنَحِيَنّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأُدخِل الجنة" رواه مسلم. "وامرأة بَغِيَّ رأت كلبًا يَطيفُ بِرَكِيَة كاد يقتُله العَطَش فسَقتهُ بمُوقِها ماءً فغفَر الله لها" متفق عليه.
- ورُبَّ عملٍ صغيرٍ تعظُمُه النِّية، قال سبحانه: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ}[البقرة:261]. قال ابن كثير رحمه الله: أي بِحَسَبِ إخلاصه في عمله.
- وإذا أحسن العبد القصد ولم تتهيأ له أسباب العمل فإنه يؤجر على تلك النية، وإن لم يعمل كرمًا من الله وفضلا، قال عليه الصلاة والسلام: "من سأل الشَّهادة بصِدق بلغَهُ الله منازِلَ الشُّهداء وإن مات على فراشه" رواه مسلم.
- بل إن مَن هَمَّ بعملٍ صالحٍ يؤجر عليه وإن تَخَلَفَ العمل، قال النَّبِيّ صَلى اللهُ عَليهِ وَسلَمَ: "مَن هَمَّ بِحسَنةٍ فلم يَعْمَلَها كتبها الله عنده حسنة كاملة" متفق عليه.
- ومن سَرَهُ أن يكمل له عمله فليُحسِن النِّيَة، فإن الله يُؤجِرَ العبد إذا أحسنت نيته حتى بإطعام زوجته.
إقرأ أيضا
- وإذا قوي الإخلاص وعَظُمَةُ النِّية، وأخفى العمل الصالح مما يشرع فيه الإخفاء قَرُبَ العبد من ربه، وأظله تحت ظل عرشه، قال النَّبِيّ صَلى اللهُ عَليهِ وَسلَمَ: "سبعة يُظِلَهُمُ الله في ظِلِه يوم لا ظِلَ إلا ظِلِه وذكر منهم ورجلٌ تَصَدَقَ بِصَدَقَة فَأخفاهَا حَتى لا تَعْلَم شِمالُه ما تُنفِق يَمينُه" رواه البخاري.
- وفُضِلَت نَافِلَة صَلاةُ اللَّيلِ عَلى نافِلَة النَّهار، والاستغفار في السَّحَر على غيره؛ لأن ذلك أقرب إلى الإخلاص.
- ومن رحمة الله ورأفته بعباده أن الإخلاص يُستَصْحَبُ في جميع العبادات والمعاملات وغيرها، ليُثابَ العبد على جميع حركاتِه وسكناتِه، وبر الوالدين، وصِلَةُ الرَّحم، وزيارة الجار هي مع الإخلاص عبادة.
- وفي جانب المعاملات في البيع والشراء وحُسْنُ عِشرَةِ الزوجة كل ذلك مع الإخلاص يُجازَى عليه بالإحسان، قال النَّبِيّ صَلى اللهُ عَليهِ وَسلَمَ: "وَلَستَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرْتَ عليها حتى اللُقمَة تَضعُهَا في فيِّ امرأتِك" متفق عليه.
- قال شيخ الإسلام رحمه الله: "مَن عبد الله وأحسن إلى الناس، فهذا قائم بحقوق الله وحق عباد الله في إخلاص الدين له، ومَن طلب من العباد العِوَض ثناءً أو دُعاءً أو غير ذلك لم يَكُن مُحْسِنًا إليهم لله".
* فَضلُ الدعاء بأن تكُونَ مِن عِبادِ اللهِ المُخلِصين.
- والإخلاص عزيز، فلجأ إلى الله دوما بالدعاء أن تكون من عباده المُخلِصين، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرَّحمن يُقَلِبُها كيف يشاء.
- وكان أكثر دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اللهم اجعل عملي كُلَهُ صالحًا، واجعَلْهُ لِوَجْهِكَ خالِصًا، وَلا تَجْعَلْ لِأحدٍ فِيهِ شَيْئًا".
- وأكثر من مطالعة أخبار أهل الصِّدق والإخلاص، واقرأ سِيَر الصَّالحين السَّالفين، واحتقر كل عملٍ صالحٍ تُقَدِمُه، وكُن خائِفًا من عدم قبوله أو حبوطه؛ فليس الشَّأن الإتيان بالطاعة فحَسب، إنَّما الشأن في حِفظِها مِمَّا يُبطِلُها.
- وزَهِدَ في المَدحِ والثَّناء، فليس أحدٌ ينفَعُ مدحُهُ ويَضُر ذَمُه إلا الله، والمُوَفَق مَن لا يتأثر بِثناءِ النَّاس، وإذا سَمِعَ ثناءً لم يَزِدْهُ ذلك إلا تواضُعًا وخَشيَة من الله.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تعليقات
إرسال تعليق