وقفات مع شهر رجب

 

مقتطفات من برنامج تأسيس المتعلم (3)

شرح كتاب "أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة".

لفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حمد العصيمي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد ..

أهلًا بكم متابعي وزوار مدونة -طريقك للجنة-

نكمل ما جاء في المجلس الأول من برنامج تأسيس المتعلم، ومقتطفات جديدة من شرح الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حمد العصيمي لكتاب "أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة".

* استحسان جعل اسم للكتاب.

صرح المصنف باسم كتاب ليُعرف فقال: وسميته "أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة".

• - الأعلام: جمع علم وهو ما يُنصب للدلالة على شيء ما، ومنه الرايات والألوية التي تكون من الخِرق، ونشرها حلها وإرسالها.
• وتصريح المصنف باسم كتابه أمر مُستحسن، فإن التصنيف ولد العالم المُخلد أي الباقي بعده، ذكره ابن الجوزي في "صيد الخاطر"، ومن المُستَحسَن أن يجعل لولده من التصانيف اسمًا.

* لا يُؤخذ العِلم عن المَجهول.

• أما تصريح المصنف باسمه هو فواجب، إمَّا في مقدمة كتابه كأن يقول: "يقول فلان ابن فلان"، أو في غلافه فيثيت اسمه عليها.
• والداعي إلى وجوبه كون العِلم لا يؤخذ عن مجهول؛ صرح به في  بهذه المسألة ذكره [ميَّارَة الماكيّ في شرح قواعده، ومحمد بن عبد الله الشنقيطي في إضاءة الحالك].
• وأشرت إلى ذلك بقولي:

لايؤخَذُ العِلم عَن المَجهُول       أو الجَهول الحُكمُ لِلفُحُول

بيَانُه فِي عِلمِ الاصطِلاح         وفِي أصولِ الفِقهِ كالصَّبَاح

• قوله "الحُكم للفُحول": أي حَكَمَ بذلك أهل العلم الراسخون فيه.
• قوله "بيانه في علم الاصطلاح": أي في علم مصطلح الحديث عند ذكرهم شروط الرَّاوي، ومثله في هذا الموضع في  كتاب أصول الفقه عن الأصوليين، وفي كتاب الاجتهاد عند ذكرهم شروط المفتي.
• قوله " كالصباح": أي واضح بيِّن جلى.

* جمع المصنف بين دعاء المسألة ودعاء العبادة في ختام المقدمة.

ختم المصنف مقدمته بالدعاء فقال: "والله أسأل أن يجعله ابتغاء وجهه الأعلى أن ينفعنا بما علمنا" إلى قوله: "ونعم النصير"، وجمع فيه بين دعاء المسألة ودعاء العبادة.

* فدعاء المسألة في ثلاث جمل:

• - الأولى: في قوله: "والله أسأل أن يجعله ابتغاء وجهه الأعلى"، أي: خالصًا له.
• - الثانية: في قوله: "وأن ينفعنا بما علمنا".
• - الثالثة: في قوله: "ويعلمنا ما ينفعنا نِعمةً منه وفضلا".

* ودعاء العبادة في أربع جمل:

• - الأولى: في قوله: "إنه على كل شيء قدير".
• - الثانية: في قوله: "وبعباده لطيف خبير".
• - الثالثة: في قوله: "وإليه المرجع والمصير". والمرجع: هو الانتقال من حال إلى حال، والمصير: هو الاستقرار في المآل.
• - الرابعة: في قوله: "وهو مولانا فنعم المولى والنصير".

* ما أوَل ما يجِبُ على العِبَاد؟

ابتدأ المصنف سؤالاته بسؤال عظيم فقال: "ما أول ما يجِبُ على العِبَاد؟"، ثم أجاب عنه بقوله: "أول ما يجب على العباد معرفة الأمر الذي خلقهم الله له" إلى آخر جوابه.

• فأول واجب على العباد معرفة أمر عظيم؛ الأمر هو: المُبتغى المراد حصوله، وعظمه المصنف بوصفه بإحدى عشرة صفة:
• - الأولى: في قوله: "الذي خلقهم الله له".
• - الثانية: في قوله: "وأخذ عليهم الميثاق به"؛ المثاق: العهد المُحكم. -وسيأتي بيان هذا الميثاق في موضعه-
• - الثالثة: في قوله: "وأرسل به رسله إليهم".
• - الرابعة: في قوله: "وأنزل به كتبهم عليهم".
• - الخامسة: في قوله: "ولأجله خلقت الدنيا والآخرة".
• - السادسة: في قوله: "والجنة والنار"؛ إذ خلقت لأجله كذلك.
• - السابعة: في قوله: "إذا حقت الحاقة، ووقعت الواقعة"؛ والحاقة والواقعة اسمان لِيَوم القيامة؛ سمي "حاقة" لكونه واجب الوقوع، لازم الحدود، وسمي "واقعة"؛ لأنه مُتحقق الحُصول.
• - الثامنة: في قوله: "وفي شأنه تُنصَب المَوازين"، أي: تُوضَع، والمَوازين جمع ميزان، -وسيأتي بيانه في موضعه-.
• - التاسعة: في قوله: "وتتطاير الصحف"، أي: تُنشر، وهي صُحُفُ الأعمال، -وسيأتي بيانها في موضعها-
• - العاشرة: في قوله: "وفيه تكون الشقاوة والسعادة".
• - الحادية عشر: في قوله: "وعلى حسبه تقسم الأنوار"، أي: في الدنيا والآخرة.

* النُّور الدنيوي والأخروي للمؤمن.

فيجعل الله عزوجل به لمن شاء نورًا في الدنيا، ونورًا في الآخرة.

• فالأول في قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}.
• والثاني في قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}.

* ما هو ذلك الأمر الذي خَلق الله الخَلقُ لأجله؟

الأمر الذي خلق الله الخلق لأجله أمرهم بعبادته، وذكر المصنف في تقريره هذا المعنى أربع آيات:

• فالآية الأولى والثالثة يبينان أن الله خلق الخلق بالحق في قوله: {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ}، وقوله: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ}، أي ما يلزم وقوعه ويثبت.
• ونفى في الآية الثانية كون الخلق مخلوقين باطلًا فقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا}، والباطل مالا حقيقة له ولا منفعة فيه.
• ثم جاءت الآية الرابعة مبينة للحق المراد إحقاقه النافي للباطل، وهو في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، إذ بُيِّن فيها الأمر الذي خَلقَ الخَلقُ لأجله، وهو عبادة الله سبحانه وتعالى.
• وإلى ذلك أشرت بقولي:

وَقوَلُهَ وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ       الآيةُ التَّعليلُ جَاءَ مَنَّ

مُبينًا لِلحِكمَةِ الشَّرعِيَّة         مِنْ خَلقِنَا وَالجَعلِ لِلذريَّة

أن نَعبُدَ الرَّحْمَنَ بِالخُضُوعِ       وَحُبِهِ والسِّرُ في المَجُموعِ

* أنواع علة الوجود.

فحكمة خلق الخلق هي عِبادة الله سبحانه وتعالى، وإلى ذلك أشار المصنف في "سُلًم الوصول" بقوله:

اعْلَم بِأنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلا       لَمْ يَخلق الخَلَق سُدىً وَهَمَلا

وإنَّمَا خَلقَ الخَلْقَ لِيَعْبُدُوه      وَبَالإلَاهِيَةِ يُفْرِدُوه              

وهذه تسمى "عِلَةُ الوُجود"؛ وهي هنا عِلَة غائية، أي تُبيِّن الغاية التي خَلقَ الخَلقُ لأجلها؛ فعِلَةُ الوجود نوعان:

• - أحدهما: عِلَة غائية؛ وهي المتأخرة في الوجود عن معلولها، أي ماجُعِلَت عِلَة له.
• - الثانية: علة موجبة؛ وهي المتقدمة على معلولها؛ والثانية هي المرادة عند الفقهاء في قولهم: "الحُكْمُ يَدورُ مَعَ عِلَتِه".

* ما معنى العبد؟

ذكر المصنف سؤال آخر هو: ما معنى العبد؟ ، ثم أجاب عنه: ببيان أن العبد له معنيان:

• - أحدهما: أن يكون بمعنى المُفَعَّل، أي المُعّبَّد، وهو الخاضع المُسَخَر، وهذا يشمل المؤمن والكافر، والبَّر والفاجر، فكل من في السموات والأرض خاضع لله مسخرٌ له.
• - والآخر: أن يكون بمعنى المُتَفعِّل، أي المُتعبِد، وهو الخاضع المُحِب، وهذا يختص بالمؤمنين، وأولياء الله المتقين.

* العبد له معنيان.

• فالعبد يجيء تارة يُراد به المعنى الأول ومنه قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}.
• وتارة بالمعنى الثاني ومنه قوله تعالى: {لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}.

* أنواع العبودية.

 وهذه القسمة ترجع إلى أصلٍ كليٍ، وهو عُبودية الخلق لله، فعبوديتهم نوعان.

• عبودية عامة: وهي عبودية الخلق كلهم لله؛ بكونهم خاضعين له مُدّبَّرين بأمره، مُسَّخرين بِتسخيره لا يخرجون عن حُكمِه.
• عبودية خاصة: وهي للمؤمنين فقط؛ بكونهم متقربين لله بِمحابِه ومَراضيه، ذكر هذا ابن تيمية الحفيد، وصاحبه ابن القيم في مدارج السالكين.

نكتفي بذكر هذه المقتطفات في هذا اللقاء؛ وتابعونا في اللقاء القادم بإذن الله ومقتطفات جديدة من شرح الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حمد العصيمي لكتاب "أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة"، من برنامج تأسيس المتعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.