وقفات مع شهر رجب

مقتطفات من برنامج تأسيس المتعلم (4)

شرح كتاب "أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة".

لفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حمد العصيمي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد ..

أهلًا بكم متابعي وزوار مدونة -طريقك للجنة-

نكمل ما جاء في المجلس الأول من برنامج تأسيس المتعلم، ومقتطفات جديدة من شرح الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حمد العصيمي لكتاب "أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة".

*ما هي العبادة؟

ذكر المصنف سؤال آخر هو: ما هي العبادة؟

• وقال: هي اسم جامع لكل ما يحب الله ويرضاه؛ وأصل جوابه هو من كلام ابن تيمية الحفيد في رسالة العبودية.
• وهذا الحد للعبادة هو باعتبار المفعول المتعبد به؛ أي أفراد ما يُتَعبَّدُ لله به، فإنه يُتَعبَّدُ له بما يُحب ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة مع البراءة بما يُنافي ذلك ويُضاده.

*تعريف العبادة بإعتبار التَّعَبُد.

- وتعرف العبادة باعتبار التَّعَبُد: وهو فِعلُ الفاعل، أنها تألُه القلب لله بالحُبِ والخُضوع.

* أولى المسالك في تعريف العبادة.

والفرق بين هذين الحدَّين: أن الأول يتعلق بالمفعول، والثاني يتعلق بالفاعل.

• وتعريف العبادة بفعل الفاعل أولى من تعريفه بالمفعول الواقع نتيجة للفعل، وقد يُسلك الأول للمبالغة في الإيضاح والبيان وهو الذي جرى عليه المصنف هنا.

* حقيقة العبادة في أصلها.

• وهذا الحد المذكور للعبادة: هو بإعتبار العبادة الشرعية لله؛ لا بإعتبار أصل العبادة.
• فالعبادة في أصلها هي: تألُه القلب بالحُبِ والخُضوع، والتَّألُه: الإجلال والتعظيم.
• وهذا التأله إذا كان لله فهو عبادة توحيدية، وإذا كان لغيره فهو عبادة شِركية.
• والمراد منهما في كلام المصنف هو: العبادة الشرعية؛ ولا تكون هذه العبادة التوحيدية شرعيةً إلا بالإخلاص لله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم.

* ملخص الكلام في حقيقة العبادة وأنواعها.

فتلخص مما تقدم أن العبادة: هي تألُه القلب بالحُبِ والخُضوع، وأنها نوعان:

• أحدهما: العبادة التوحيدية؛ وهي التي يُأَلَهُ فيها الله وحده.
• والآخر: العبادة الشِركية؛ وهي التي يُأَلَهُ فيها غير الله.

* والعبادة التوحيدية نوعان:

• أحدهما : عبادة توحيدية شرعية؛ وهي ما اجتمع فيها الإخلاص لله والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم.
• والآخر: عبادة غير شرعية؛ وهي ما اختل فيها الإخلاص أوالاتباع.

* المراد بالعبادة إذا أطلقت في كلام أهل العلم.

• وإذا أُطلِقَ ذِكرُ العِبَادة في كلام أهل العلم فإنهم يريدون العبادة "التوحيدية الشرعية".
• كقول المصنف هنا: ما هي العبادة؟؛ ثم أجابه عنه بنحو ما سبق، فإنه يريد العبادة التوحيدية الشرعية، وسيأتي بعده من الأسئلة ما يُبين هذا.

* المختار من الجملتين الشائعتين في كلام أهل العلم في حَدِ العبادة.

وما ذكرناه من جعل مدار العبادة على "الحُبِ والخُضوع" من الجملتين الشائعتين من كلام أهل العلم هو المختار.

فإن أهل العلم يعبرون عما تحصل به العبادة بجملتين:

- الأولى: الحُبِ والخُضوع.

- الثانية: الحُبِ والذُّل.

• وكلهما واقعتان في كلام جماعة من الأكبار منهم ابن تيمية الحفيد، وصاحبه ابن القيم.
• والمقدم من الجملتين الأولى، فإن العبادة تشتمل على حُبٍ وخُضُوع.

* لماذا قدم لفظ "الخضوع" على لفظ "الذل" في حد العبادة؟

قدم "الخضوع" على "الذل" لأمرين:

• أحدهما: أن الخضوع هو الوارد في خِطابِ الشَّرع.
• والآخر: أن في اسم الذُّل نقصًا لا يُناسب مقام العبادة؛ وسبق بيان هذا.

* هل الخضوع والذل بمعنى واحد؟

وهاتان الكلمتان ليستا بمعنى واحد؛ أشار إليه ابن سِيدَه، وأبو هلال العسكري في الفروق اللغوية.

• وبيَّن الثاني أن الذُل يكون مع الإكراه؛ بخلاف الخضوع.
• فمدار العبادة على الحُبِ والخُضوع.
• وأشرت إلى ذلك بقولي:

وَعِبَادَةُ الرَّحْمَنِ غَايَةُ حُبِهِ         وَخُضُوعُ قَاصِدِهِ هُمَا قُطْبَانِ.

والذُّلُ قَيْدٌ مَا أتَى فِي وَحْيِّنَا         وَالوَحَيُ قَطْعًا أَكْمَلُ التِّبْيَانِ.

* متى يكون العمل عبادة؟

ذكر المصنف سؤال آخر وهو: متى يكون العمل عبادة؟؛ ثم أجاب عنه: إذا كمل فيه شيئان وهما: كمال الحُبِ مع كمال الذُّل.

• أي على ما تقدم بيانه؛ من كون العبادة دائرة على تحقق تَأَلُه القلب للمعبود بحبه والخضوع له؛ والمعبود الحق هو الله وحده.
• فلا يكون العمل عبادة حتى يشتمل قلب العابد على محبة الله تعالى والخضوع له.

* وذكر المصنف ثلاث آيات تشير إلى هذا الأصل وهو كون العبادة دائرة بين الحُبِ والخضوع وهي:

• فالآية الأولى وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} دليل على الحُب.
• والآية الثانية وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} دليل للخضوع؛ فإن الإشفاق الذي يعتري قلب العبد ويخاف معه لا يكون إلا مع الخضوع.
• وذكر آية ثالثة جامعة بينهما وهي قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} فالآية دالة على إجتماع الحُبِ والخضوع في قلوبهم.
• - الحُب في قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}.
• - الخُضوع في قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}، فبعضها يتعلق بالحُب، وبعضعها يتعلق بالخُضوع.

* ما علامة محبة العبد ربه عز وجل؟

لما ذكر المصنف أن الحُب مما ترجع إليه العبادة، أورد سؤال يتعلق بِبَيان علامة محبة العبد ربه؛ وعلامة حب العبد لربه شيئان:

• - أحدهما: مَحَبَة العبد محبوبات الله.
• - والآخر: بُغضُه مساخِطَه.
• وهما أمران متقابلان؛ فالمَحبَة يكون معها المَيْل، والبُغض تكون معه النُفره.

ثم ذكر ما ينشأن عن هذين الأمرين وهو أربعة أشياء:

• - الأول في قوله: "أن يمتثل اوامره" أي يتبعها.
• - الثاني في قوله: "ويجتنب مناهيه" أي يُباعِدها تاركًا لها.
• - الثالث في قوله: "ويوالي أولياءه" أي يُحبهم ويَنصَرهُم.
• - والرابع في قوله: "ويُعادي أعداءه" أي يُبغِضَهم ويُحارِبَهُم.

• ثم ذكر أن هذه الأمور تنتظم في الحُبِ في الله، والبُغضُ فيه، وبه صار ذلك أوثق عُرَى الإيمان.
• قال المصنف: "ولذا كانَ أوثَقُ عُرَى الإيمان البُغضُ في الله، والحُب فيه"، ورويت هذه الجملة في أحاديث حسنة، وتوجد في كلام أحد السلف.
• - والعُرَى: جمع عُروَه وهو وما يتعلق به.
• - والأوثق: الأقوى والأحكم.
• فأقوى ما يثبت به الإيمان ويُحكم هو الحُب في الله، والبُغض فيه؛ الناشئ من محبه الله، وبغض مساخطه.

* بماذا عرف العباد ما يحبه الله ويرضاه؟

ذكر المصنف سؤال آخر متعلق بما قبله وهو: بماذا عرف العباد ما يحبه الله ويرضاه؟

- أي بما ميزوا ما يحب الله ويرضاه، وهل استقلوا بمعرفته أم لا؟

- فأجاب: عرفوه بإرسال الله الرسل وإنزال الكتب.

• فالعقول لا تستقل بمعرفة مُرَادِ الله وهي مفتقرةٌ إلى دليلٍ يرُشد إليه؛ فبعث الله الرسل وأنزل الكتب؛ للإرشاد إلى مراده، فأمروا العباد بما يحبه الله ويرضاه، ونهوهم عمَّا يكرهه الله ويأباه.
• قال المصنف: "وبذلك قامت عليهم حجتُهُ الدَّامِغة، وظهرت حِكمَتُه البالغة".
• - الدَّامغة: هي المًبطلة لِدَعوَاهُم.
• - البالغة: هي الكاملة التَّامة، ومنه قوله تعالى:{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ}.

* وذكر المصنف دليلين في بيان هذا:

• - الأول قوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}؛ وهو مطابق لِما ذكره المصنف في أن الله بعث الرسل لهداية الناس إلى مُرادِه، فلا يكون مع وجودهم للخلق حُجَةٌ على ربهم.
• - والثاني قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ أي فاتبعو الرسول الذي أرسل إليكم، فإنه جاء لإرشادكم لما يحبه الله ويرضاه.

* كم شروط العبادة؟

ذكر المصنف سؤال آخر فقال: كم شروط العبادة؟

• ومراده العِبادة التي يقبلها الله؛ فالمذكور هنا شروط القبول، وذُكِرَ غَيرُها تَبعًا لها، فإنه أجاب بقوله ثلاثة:
• - الأول: صِدق العزيمة، إلى آخر ما قال.

* أنواع شروط العبادة.

وهذا الجواب فيه أن تلك الشروط نوعان:

• - أحدهما: شروط وجود.
• - الآخر: شروط قبول.

• فالنوع الأول وهو: "شروط الوجود" شرط واحد وهو صِدق العزيمة.
• والنوع الثاني وهو: "شرط القبول"، شرطان وهما:
• - إخلاص النية.
• - موافقة الشرع.

• وذِكرُ النوع الأول هو توطئة للنوع الثاني المُراد، ولهذا جرى أكثر المتكلمين في "شروط القبول" على أنها اثنان؛ دون حاجة في ذكر "شروط الوجود"، فالمراد شروط العبادة عند وجودها التي يحصُلُ بها قَبولها.
• وأشرت إلى ما ذكره المصنف بقولي:

شَرْطُ العِبَادَةِ هَلُــــمَّ فَاسْتَمِـــعَ       أُصْدُقْ عَزِيمَةً وَأَخْلِصْ وَاتَّبِعْ

فَالأَوَلُ المَعْدُودُ شَرْطٌ لِلْوُجُودْ       وَبَعدَهُ شَرْطَا قَبُولٍ وَسُعُودْ

وَفِيهِمَا عَنْ حَافِظٍ مَا سُمِعَ        فِيهِ إصَابَةٌ وَإخْلَاصٌ مَعَ

للهِ رَبِّ العّرْشِ لَا سِوَاهُ       مُوَافِقَ الشَّرْعِ الذِي ارْتَضَاهُ

• ومعنى قوله: "وَفِيهِمَا عَنْ حَافِظٍ مَا سُمِعَ" أي ذكر فيهما ما سُمِعَ عن العلامة الحافظ الحكمي، لما ذكره في "سُلَم الوصول" وهو الشطر والبيت المذكور بعده.

تم بحمد الله وتوفيقه مقتطفات "المجلس الأول".

 تابعونا في اللقاء القادم بإذن الله من برنامج تأسيس المتعلم.

 ومقتطفات جديدة من "المجلس الثاني" من شرح الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حمد العصيمي لكتاب "أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة".

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.