القائمة الرئيسية

الصفحات

وقفات تربوية من سور القرآن .. سورة البقرة

وقفات تربوية من سور القرآن .. سورة البقرة


 من كتاب: منتقى الآداب من تفسير السعدي

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد:

فإن تفسير الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله موردٌ عذب وبلسمٌ شافي، ولا يزال طلاب العلم وعامة الناس يقطفون من ثماره اليانعة، وهذه الرسالة تحمل في طياتها وقفات تربوية مقتطفة من هذا التفسير المبارك، أسال الله أن ينفع بها ويجعلها خالصة لوجهه الكريم أمين.

كتبه: عبدالعزيز بن عبد الله الضبيعي.

* وقفات تربوية من سورة البقرة.

* الوقفة الأولى: القول الحسن للناس.

قال الله تعالى: {................ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}[البقرة:83].

  • ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليمهم العلم، وبذل السلام، والبشاشة وغير ذلك من كلِّ كلام طيب.
  • ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله، أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق، وهو الإحسان بالقول، فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار، ولهذا قال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[العنكبوت:46}.
  •  ومن أدب الإنسان الذي أدب الله به عباده، أن يكون الإنسان نزيها في أقواله وأفعاله، غير فاحش ولا بذيء، ولا شاتم، ولا مخاصم، بل يكون حسنَ الخلق واسع الحلم، مجاملًا لكل أحد، صبورًا على ما يناله من أذى الخلق، امتثالًا لأمر الله ورجاء لثوابه، ثم أمرهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، لما تقدم أن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود، والزكاة متضمنة للإحسان إلى العبيد.

* الوقفة الثانية: الاسترجاع عند المصيبة.

قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة:156-157].

  • قوله تعالى:{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} وهي كل ما يؤلم القلب، أو البدن، أو كليهما مما تقدم ذكره.
  • {قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ} أي: مملوكون لله، مدبرون تحت أمره وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها، فقد تصرف أرحم الراحمين بممالیکه وأموالهم، فلا اعتراض عليه؛ بل من کمال عبودية العبد علمه بأن وقوع البلية من المالك الحكيم الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك، الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره، لما هو خير لعبده، وإن لم يشعر بذلك.
  • ومع أننا مملوکون لله، فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورًا عنده، وإن جزعنا وسخطنا لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله وراجع إليه، من أقوى أسباب الصبر.
  • {أُولَئِكَ} الموصفون بالصبر المذكور {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} أي: ثناء وتنويه بحالهم {وَرَحْمَةٌ} عظيمة، ومن رحمته إياهم، أن وفقهم للصبر الذي ينالون به کمال الأجر.
  • {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} الذين عرفوا الحق، وهو في هذا الموضع علمهم بأنهم لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأنهم إليه راجعون، وعملوا به، وهو هنا صبرهم لله.
  • ودلت هذه الآية على أن من لم يصبر فله ضد ما لهم، فحصل له الذم من الله عزوجل والعقوبة والضلال والخسار، فما أعظم الفرق بين الفريقين، وما أقل تعب الصابرين، وأعظم عناء الجازعين!!
  • فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها، لتخف وتسهل إذا وقعت، وبيان ما تقابل به إذا وقعت وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر، وما للصابر من الأجر، ويعلم حال غير الصابر، بضد حال الصابر.
  • وأن هذا الابتلاء والامتحان سنة الله التي قد خلت، ولن تجد لسنة الله تبديلا، وبيان أنواع المصائب.

 

* الوقفة الثالثة: أكل الطيبات من الرزق.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[البقرة:172].

  • هذا أمر للمؤمنين خاصة، بعد الأمر العام، وذلك أنهم هم المنتفعون على الحقيقة بالأوامر والنواهي، بسبب إيمانهم، فأمرهم بأكل الطيبات من الرزق، والشكر لله على إنعامه، باستعمالها بطاعته، والتَّقَوِى بها على ما يوصل إليه، فأمرهم بها أمر به المرسلين في قوله: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}[المؤمنون:51].
  • فالشكر في هذه الآية، هو العمل الصالح، وهنا لم يقل "حَلَالًا"؛ لأن المؤمن أباح الله له الطيبات من الرزق، خالصة من التبعة، ولأن إيمانه يحجزه عن تناول ما ليس له.
  • وقوله: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} أي: فاشكروه؛ فدل على أن من لم يشكر الله، فلم يعبده وحده، كما أن من شكره، فقد عبده، وأتي بها أمر به، ويدل أيضًا على أن أكل الطيب، سبب للعمل الصالح وقبوله، والأمر بالشكر، عقبي النعم؛ لأن الشكر يحفظ النِّعم الموجودة، ويجلب النِّعم المفقودة، كما أن الكفر ينفر النِّعم المفقودة ويزيل النِّعم الموجودة.

* الوقفة الرابعة: إتيان الأمور من أبوابها.

قال الله تعالى: {....... وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[البقرة:189].

  • {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} وهذا كما كان الأنصار وغيرهم من العرب إذا أحرموا لم يدخلوا البيوت من أبوابها، تعبدًا بذلك، وظنا أنه بِرّ، فأخبر الله أنه ليس بِبِرّ، لأن الله تعالى لم يشرعه لهم، وكل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله، فهو متعبد ببدعة، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها لما فيه من السهولة عليهم، التي هي قاعدة من قواعد الشرع.
  • ويستفاد من إشارة الآية أنه ينبغي في كل أمر من الأمور، أن يأتيه الإنسان من الطريق السهل القريب، الذي قد جعل له موصلًا، فالآمِر بالمَعروف، والنَّاهِي عن المُنكر، ينبغي أن ينظر في حالة المأمور، ويستعمل معه الرفق والسياسة، التي بها يحصل المقصود أو بعضه، والمتعلم والمعلم، ينبغي أن يسلك أقرب طريق وأسهله، يحصل به مقصوده، وهكذا كل من حاول أمرًا من الأمور وأتاه من أبوابه وثابر عليه، فلا بد أن يحصل له المقصود بعون الملك المعبود.
  • {وَاتَّقُوا اللَّهَ} وهذا هو الْبِرّ الذي أمر الله به، وهو لزوم تقواه على الدوام، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فإنه سبب للفلاح، الذي هو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب، فمن لم يتق الله تعالى لم يكـن لـه سبيل إلى الفلاح، ومن اتقاه فاز بالفلاح والنجاح.

 

* الوقفة الخامسة: التحلي بالصبر حالة السراء والضراء.

قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}[البقرة:214].

  • يخبر تبارك وتعالى أنـه لا بد أن يُمتَحِن عبـاده بالسراء والضـراء والمشقة كما فعل بمن قبلهم، فهي سنته الجارية التي لا تتغير ولا تتبدل أن من قام بدينه وشرعه لا بد أن يبتليه، فإن صبر على أمر الله، ولم يبال بالمكاره الواقفة في سبيله، فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها، ومن جعل فتنة الناس كعذاب الله، بأن صدته المكاره عما هو بصدده، وثنته المحن عن مقصده، فهو الكاذب في دعوى الإيمان، فإنـه لـيس الإيـمان بـالتحلي والتمني، ومجـرد الـدعاوى، حتى تصـدقه الأعمال أو تكذبه.
  • فقد جرى على الأمم الأقدمين ما ذكر الله عنهم {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ} أي: الفقـر. {وَالضَّرَّاءُ} أي: الأمـراض في أبـدانهم. {وَزُلْزِلُوا} بـأنواع المخاوف من التهديد بالقتل، والنفي، وأخـذ الأموال، وقتل الأحبة، وأنـواع المَضـار حـتـى وصـلـت بهـم الحـال، وآل بهـم الـزلـزال، إلى أن استبطأوا نصـر الله مـع يقيـنـهـم بـه؛ ولكـن لـشـدة الأمـر وضـيـقـه قـال: {الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} فلمـا كـان الفرج عند الشدة، وكلما ضاق الأمر اتسع، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}، فهكذا كل من قام بالحق فإنه يمتحن.
  • فكلما اشتدت عليه وصعبت، إذا صابر وثابر على ما هو عليه انقلبت المحنة في حقه منحة، والمشقات راحات، وأعقبه ذلك الانتصار على الأعداء، وشفاء ما في قلبه من الداء، وهذه الآية نظير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران:142].
  • وقوله تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت:1-3].


أسأل الله تعالى أن ينفعنا بهذه الوقفات القرآنية .. ويرزقنا العمل بها والتَّخلُق بأخلاق القرآن الكريم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.









هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تقرأ في هذا الموضوع