القائمة الرئيسية

الصفحات

فضل زيارة المدينة المنورة .. وأسماؤها

 

فضل زيارة المدينة المنورة .. وأسماؤها


 للشيخ الدكتور عَبْد المُحْسِن بِنْ مَحَمَّد القَاسِم

بسم الله الحمن الرحيم

المُقَدِّمَةُ

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:


فَقَدْ شَرَّفَ اللَّهُ مَدِينَةَ رَسُولِهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ بفَضَائِلَ، وَبَارَكَ فِيهَا، وَجَعَلَ نُفُوسَ المُسْلِمِينَ تَهْفُو لِلصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ، وَقَدْ تَمَنَّى جَهَابِدَةُ العُلَمَاءِ مَعْرِفَةَ كِتَابٍ يَتَضَمَّنُ أَخْبَارَ المَدِينَةِ، قَالَ شَيْخُ الإِسْلَام اَبْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: «وَإِنْ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ لِلْمَدِينَةِ كِتَاباً يَتَضَمَّنُ أَخْبَارَهَا ؛ كَمَا صُنّفَ أَخْبَارُ مَكَّةَ؛ فَلَعَلَّ تُعَرِّفُونَا بِهِ»[ فتاوی شيخ الإسلام].


وَهَذَا كِتَابٌ يَسْتَعِينُ بِهِ زَائِرُ المَدِينَةِ وَغَيْرُهُ؛ لِتَحْقِيقِ مُنَاهُ بِمَعْرِفَةِ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَمَسْجِدِهِ، وَقَدْ سَمَّيْتُهُ: «المَدِينَةُ المُنَوَّرَةُ [منوَّرة بما نَزَل فيها من الوَحْي] - فَضَائِلُهَا ، المَسْجِدُ النَّبَوِيُّ، الحُجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ».


أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ، وَيَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الكَرِيم.

وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.


د. عَبْد المُحْسِن بِنْ مَحَمَّد القَاسِم.

إمَامُ وَخَطيب المَسْجِد النَّبوِي الشَّريف.

 

* السَّفَرُ إِلَى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ.

* مَاذَا يَنْوِي مَنْ أَرَادَ زِيَارَةَ المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ؟

  • يَنْوِي الزَّائِرُ زِيَارَةَ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فَقَط، وَهُوَ القَصْدُ مِنْ زِيَارَةِ المَدِينَةِ وَالسَّفَرِ إِلَيْهَا، فَلَا يَنْوِي وَهُوَ فِي بَلَدِهِ السَّفَرَ مِنْ أَجْلِ زِيَارَةِ قَبْرِ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مِنْ أَجْلِ الأَمْكِنَةِ لِذَاتِهَا لَا يَجُوزُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
  • قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالَ -بِضَمِّ أَوَّلِهِ-: بِلَفْظِ النَّفْيِ، وَالمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ السَّفَرِ إِلَى غَيْرِهَا»[فتح الباري].
  • وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيُّ رحمه الله: «يَحْرُمُ شَدُّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا عَمَلَا بِظَاهِرِ هَذَا الحَدِيثِ»[فتح الباري].

  • وَإِذَا وَصَلَ المَدِينَةَ يَزُورُ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ وَصَاحِبَيْهِ، وَمَسْجِدَ قُبَاءِ، وَمَقْبَرَةَ البَقِيع، وَمَقْبَرَةَ شُهَدَاءِ أُحُدٍ؛ وَزِيَارَةُ هَذِهِ تَبَعًا لِزِيَارَةِ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ لَا اسْتِقْلَالاً -أَي لَا يَنْوِي عَقْدَ السَّفَرِ لَهَا-.
  • قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ: ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: «لَوْ سَافَرَ إِلَى قُبَاءِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لَمْ يَجُزُ، وَلَكِنْ لَوْ سَافَرَ إِلَى المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ثُمَّ ذَهَبَ مِنْهُ إِلَى قُبَاءٍ؛ فَهَذَا يُسْتَحَبُّ، كَمَا يُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ قُبُورِ أَهْلِ البَقِيع، وَشُهَدَاءِ أُحدِ»[فتاوی شيخ الإسلام].

  • أَمَّا السَّفَرُ لِلتِّجَارَةِ، أَوْ طَلَبِ العِلْمِ، أَوْ صِلَةِ الرَّحِمِ، فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ بُقْعَةٌ أَوْ مَكَانٌ لِفَضْلِهِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ المُسَافِرُ فِيهَا مَظْلُوبَهُ أَيْنَمَا كَانَ، فَلَوْ كَانَتِ التِّجَارَةُ فِى المَشْرِقِ لَسَافَرَ إِلَيْهَا، وَلَوْ كَانَتْ فِي المَغْرِب لَسَافَرَ إِلَيْهَا، فَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ مَكَانَا بِذَاتِهِ فِي هَذِهِ الأُمُورِ.
  • قَالَ شَيْخُ الإِسْلَام ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: «قَوْلُهُ: «لَا تُشَدُّ الرِّجَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ»، يَتَنَاوَلُ المَنْعَ مِنَ السَّفَرِ إِلَى كُلِّ بُقْعَةٍ مَقْصُودَةٍ، بِخِلَافِ السَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ، وَطَلَب العِلْمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ السَّفَرَ لِطَلَب تِلْكَ الحَاجَةِ حَيْثُ كَانَتْ، وَكَذَلِكَ السَّفَرُ لِزِيَارَةِ الأخ فِي اللَّهِ فَإِنَّهُ هُوَ المَقْصُودُ حَيْثُ كَانَ»[فتاوی شيخ الإسلام]. 

* حُكْمُ قَوْلِ: بَلِّغْ سَلَامِي لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

  • بَعْضُ النَّاسِ إِذَا رَأَى شَخْصاً ذَاهِبًا إِلَى المَدِينَةِ يَقُولُ لَهُ: «إِذَا وَصَلْتَ قَبْرَ النَّبِيِّ، فَبَلِّغْ سَلَامِي لِلنَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ»، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَرِدْ السُّنَّةُ، وَاللَّهُ أَكْرَمَ نَبيَّهُ بِمَلَائِكَةٍ تُبَلِّغُهُ عَنْ أُمَّتِهِ السَّلَامَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَإِذَا قُلْتَ وَأَنْتَ فِي أَي مَكَانٍ : «اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ»؛ فَإِنَّ المَلَائِكَةَ تُبَلِّغُ سَلَامَكَ لِلنَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةٌ سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
  • وَمَنْ قَالَ لَكَ: «بَلِّغْ سَلَامِي لِلنَّبِيِّ»؛ فَقُلْ لَهُ: قُلْ: «اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ» وَأَنْتَ فِي مَكَانِكَ، وَالمَلَائِكَةُ تُبَلِّغُ سَلَامَكَ لِلنَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ.
  • وَهَذَا مِنْ يُسْرِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ لَمَّا نَهَى عَنِ اتِّخَاذِ قَبْرِهِ عِيداً؛ أَرْشَدَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا وَيُسَلِّمُوا عَلَيْهِ حَيْثُ كَانُوا، وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ يَبْلُغُهُ، وَلَمْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ بِالمَجِيءِ إِلَى قَبْرِهِ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ.

 

* نِعْمَةُ الوُصُولِ إِلَى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ.

  • المَدِينَةُ بَلَدٌ مُبَارَكٌ، دَعَا النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ بِالبَرَكَةِ فِيهَا وَفِي طَعَامِهَا، وَهِيَ مَدِينَةٌ مَحْبُوبَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ، وَحُقَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُحِبَّ مَا أَحَبَّهُ الرَّسُولُ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ.
  • فَأَحْمَدِ اللَّهَ عَلَى وُصُولِكَ إلَى هَذَا البَلَدِ المُبَارَكِ، فَكَمْ مِنْ مُسْلِمٍ مَاتَ قَبْلَ تحْقِيقِ أَمْنِيَتِهِ بِزِيَارَتِهَا، وَأَغْتَنِمْ نِعْمَةَ وُصُولِكَ إِلَيْهَا، وَأَخْرُجْ مِنْهَا بِأَحْسَنِ حَالٍ؛ بِالِاسْتِقَامَةِ، وَدَمَانَةِ الخُلُقِ، وَحُسْن المُعَامَلَةِ.

 

* أَسْمَاءُ المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ.

  • هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ إِلَى المَدِينَةِ، وَفَتَحَ اللَّهُ مِنْهَا مَكَةَ وَسَائِرَ الأَمْصَارِ، وَمِنْهَا أَنْتَشَرَ الإِسْلَامُ فِي الأَقْطَارِ.
  • وَلِشَرَفِ المَدِينَةِ كَثُرَتْ أَسْمَاؤُهَا، قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: «وَلَا نَعْلَمُ بَلَداً أَكْثَرَ أَسْمَاء مِنْ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ؛ لِكَوْنِهِمَا أَفْضَلَ الأَرْضِ»[تهذيب الأسماء واللغات].

* وَمِنْ أَسْمَائِهَا:

۱ – المَدِينَةُ.

  • وَهَذَا الأَسْمُ هُوَ أَشْهَرُ أَسْمَائِهَا، وَهُوَ عَلَمٌ عَلَيْهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرَى، يَقُولُونَ: يَثْرِبُ، وَهِيَ المَدِينَةُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
  • وَقَدْ جَاءَ فِي القُرْآنِ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ فِي أَرْبَعَ آيَاتٍ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: «فَإِذَا أُطْلِقَتْ تَبَادَرَ إِلَى الفَهْمِ أَنَّهَا المُرَادُ، وَإِذَا أُرِيدَ غَيْرُهَا بلَفْظَةِ المَدِينَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ»[فتح الباري].

٢ – طَيْبَةُ.

  • قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ -وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ "أَيْ: ضَرَبَ بِعَصَاهُ" فِي المِنْبر-: هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

٣ – طَابَةُ.

  • قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى المَدِينَةَ طَابَةَ» رَوَاهُ – مُسْلِمٌ.
  • وَقَالَ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ سَمَّى المَدِينَةَ طَابَةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
  • قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: «وَسُمِّيَتْ طَيْبَةَ وَطَابَةَ لِحُسْنِ لَفْظِهِمَا، وَكَانَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ يُحِبُّ الاِسْمَ الحَسَنَ وَيَكْرَهُ الاِسْمَ القَبِيحَ»[شرح صحيح مسلم].


وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.









هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تقرأ في هذا الموضوع