لطائف قرآنية .. واو الثمانية في القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد ..
* ماذا تعرف عن واو الثمانية في القرآن الكريم؟
هناك آيات في القرآن ذكرت فيها "واو" العطف
ضمن معدودات؛ ولكن كانت الآية تورِد عِدة معدوداتٍ بدون عطف، ثم تذكر معدودًا آخر،
وتعطفه على ما سبق بحرف "الواو".
* المراد "بواو الثمانية:
- يلاحظ أن هذا المعدود الذي بعد "الواو"، يكون ترتيبه الثامن، ويكون مخالفًا في بعض الصفات للمعدودات السابقة.
- وقد سمى العلماء هذه "الواو" العاطفة للمعدود الثامن على ما سبقه "واو الثمانية"، أي أنها دخلت على المعدود الثامن.
- نقول عن "واو الثمانية" إذن هي واو عطفٍ تدخل على المعدود الثامن لتعطفه على ما سبقه، ويكون مغايرًا لبعض المذكورين قبله في بعض الصفات.
* أمثلة على "واو الثمانية" في القرآن الكريم:
* المثال الأول: واو الثمانية في سورة التوبة:
- من الأمثلة على "واو الثمانية" في القرآن قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:112].
- تقدم هذه الآية تسعَ صفاتٍ للذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله.
- ونلاحظ أن "واو الثمانية" دخلت على الصفة الثامنة في قوله تعالى: {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.
- كما نلاحظ أن الصفة الثامنة مُغايِرة للصفة السابعة، فالنهي عن المنكر غير الأمر بالمعروف، والمنكر مُغايِر للمعروف.
*
المثال الثاني: واو الثمانية في سورة التحريم:
- هذا المثال الثاني على "واو الثمانية" وهو قوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم:5].
- لقد ذكر ت هذه الآية صفات المرأة النموذجية الصالحة.
- ودخلت "الواو" على الصفة الثامنة {وَأَبْكَارًا}، وهي مُغايِره للصفة السابقة، فالمرأة أما أن تكون بِكرًا، وإما أن تكون ثيبًا، ولا يمكن أن تجمع بين الصفتين!.
*
المثال الثالث: واو الثمانية في سورة الكهف:
- هذا مثالًا ثالثًا على "واو الثمانية" في القرآن وهو قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف:22].
- تذكر الآية اختلاف السابقين في عدد أصحاب الكهف، وتذكر ثلاثة أقوالٍ لهم.
- وقد ذُكر كلبهم معهم في القولين السابقين بدون عطف، بينما عَطف القولُ الثالث كلبهم عليهم بالواو في قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}، وهي "واو الثمانية" التي دخلت على الرقم الثامن.
* دلالات واو الثمانية في وثامنهم كلبهم:
 ومن دلالات "واو الثمانية" في المثال الثالث في سورة الكهف الآتي:
- أن القول الثالث التي دخلت عليه، مُغاير للقولين اللذين سبقاه، فالقرآن ذم القولين السابقين؛ لأنهما من باب الرجم بالغيب إذ قال عنهما: {رَجْمًا بِالْغَيْبِ}، بينما سكت عن القول الثالث.
- بل أشار إلى إمكانية إعتماده والقول به، حيث أثبت العلم بهم للقليل في قوله تعالى: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ}.
- لذلك كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: أنا من القليل الذين استثناهم الله: "كانوا سبعة وثامنهم كلبهم".
- دخول الواو على "كلبهم" في القول الثالث الذي قاله العلماء، له معنى أدبيٌّ أخلاقيٌّ ذوقيّ، فبهذه الواو فصل ما بين أصحاب الكهف الأبرار الأطهار، وبين كلبهم النجس –الذي لم تغيِّر رحلته معهم، وحراسته لهم من حيوانيته ونجاسته-.
- بينما ذكره القولان السابقان معهم بدون "واو"، كأنه واحدٌ منهم.
- أما في القول الثالث جاء عطفه عليهم بالواو، والعطف يقتضي التغاير.
* المثال الرابع: و، الاو الثمانية في سورة الزمر:
في قوله
تعالى مع أهل الجنّة: {وَسِيقَ الَّذِينَ
اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ
أَبْوَابُهَا} [الزمر: 73]، وقوله مع أهل النار: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا
جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 71].  
- في هذا المثال دخلت "واو الثمانية" على الفعل (فُتِحَتْ) مع أهل الجنة؛ لبيان أن الأبواب فُتِحَتْ بيد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم قبلَ مَجيئهم.
- وهنا الواو حاليَّة، وحُذِفَتْ من الفعل ذاته مع أهل النار؛ لبيان أنها كانت مُغلقةً قبل مَجيئهم.
 وحكمةُ ذلك من وجوه:
- أحدها: أن أهل الجنة جاؤوها وقد فُتِحت أبوابُها؛ استعجالًا للفرح والسُّرور إذا رأَوا الأبواب مفتَّحةً، وأهل النار يأتونها وأبوابُها مُغلقة؛ ليكون أشدَّ لحرِّها.
- الثاني: أنَّ الوقوفَ على الباب المغلق نوعُ ذُلٍّ، فلو وَجَدَ أهلُ الجنة بابها مُغلَقًا، لأثَّر انتظارُ فَتْحه في كمال الكرَم، فصِينَ أهلُ الجنة عنه، وجُعِلَ في حق أهل النار؛ ليكون لهم بمثابةِ عذاب معنويٍّ قبلَ العذاب الحسِّيِّ.
- الثالث: أن أبواب أهل النَّار مُغَلقة؛ لتكون المفاجئةُ مُرَوِّعةً لهم، ولكيلا يُصلَى بلَفْحِهَا مَن هو خارجها، وفُتِحت أبوابُ أهل الجنة؛ تَهيُّؤًا لاستقبالهم، ولكي يَنعَموا بريحها الطَّيب الذَّكي، منذ أن تبدأ مسيرتهم المباركة نحوها.
 



تعليقات
إرسال تعليق