القائمة الرئيسية

الصفحات

مولد النبي الشريف وإحياء سنته

مولد النبي الشريف وإحياء سنته

مولد النبي الشريف وإحياء سنته

مولد النبي الشريف وإحياء سنته

الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان، ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول الله تعالى في مُحكم آياته: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164].

وكيف لا وميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم ميلاد للهداية بعد الضلال، والنور بعد الظلام، والعدل بعد الظلم، أهدى الله به الأمة صراطاً مستقيماً، وخلقاً قويماً، وكان صلى الله عليه وسلم نِعمَ القدوة والمعلم، والإمام والمُقَوِّم، والمَثلُ الحيَّ في هذه الحياة للفضائل، والصدق والوفاء، فميلاد الرسول - صلى الله عليه وسلم- هو ميلادٌ للهداية العامة، وإظهارٌ للصراط المستقيم، وإحياءٌ للبشرية.
مولد النبي الشريف وإحياء سنته

* حال العالم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

  • كان ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ميلاد أمة، فقد كانت حاجة العالَم إليه صلى الله عليه وسلم حاجة المريض إلى الشِّفاء، والعليلِ إلى الدواء، فكان ميلادُه ثورةً على الظُّلم، وكانت بعثته نجدة للمظلومين، أُطفِئَت نارُ فارس، وزلزلَت عروشُ قيصر، وانهدمَت قصورُ الاستبداد، وسقطَت شرفات الظُّلم، بعد أن كان العالَم غابةً يأكل القويُّ فيها الضَّعيف، ويَلتهم الغنيُّ فيها الفقيرَ.
  •  كان ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم ميلاد أمة، إذ كانت الحياة قبل مولده يائسة، ساد فيها الظلم والبغي والفواحش، واجتال الشيطان بنى البشر، فحوَّلهم عن دينهم الذى دعا إليه سائر الأنبياء والمرسلين ، فعمَّ الجهل، وانتشر الظلم، وسادت شريعة الغاب.
  •  فكان ميلاده ميلاد أُمَّة، فهو الذي أخرج به ربُّهُ البشريةَ من الظلمات إلي النور، وأزال ببعثته حيرتها وتخبطها العقائدي، فردَّها إلي التو حيد الخالص، ميراث إخوانه الأنبياء والمرسلين.
  • لقد كانت "أم القرى مكة" ومن حولها على موعد مع حدث عظيم، حدث  له تأثيره في مسيرة البشرية وحياة البشر طوال أربعة عشر قرنًا من الزمان، وسيظل هذا الحدث  يشرق بنوره على الكون، ويرشد بهداه الحائرين، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
  •  فكان هذا الحدث هو ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فميلاده صلى الله عليه وسلم هو أهم حدث في تاريخ البشرية على الإطلاق، منذ أن خلق الله الكون، وفي الثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل، شرف الكون بميلاد سيد الخلق، وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
  •  فهو صلى الله عليه وسلم محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب من ولد إسماعيل عليه السلام، وجاء في سنن الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِى كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ بَنِى كِنَانَةَ قُرَيْشًا وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِى هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِى هَاشِمٍ».
  •  وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم قَالَ:» بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِى آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِى كُنْتُ فِيه«.
  • كان ميلاد النبي الشريف صلى الله عليه وسلم ايذانا وإعلامًا إلهيًا ليُخرِج البشرية من الظلام إلى النور، ومن الجهل الى العلم، ومن الكفر إلى الايمان.
  •  وميلاده عليه الصلاة والسلام لم يكن إعلان دين جديد فحسب، وإنما كان إعلانًا لحياة جديدة، خلصت الانسانية فيها من براثن الجهل والشقاء، وانتقلت من هوّة التعثر والضلال الى النُّصح والارشاد، فدعوته صلوات الله عليه كانت روحًا جديدة سرت بهذا الكون الذي ماتت فيه مبادئ الحق والعدل والفضيلة، فالحياة بهذا الدين أخذت طريقها المستقيم.
  • فبعثة النبي عليه الصلاة والسلام أصبح المجتمع يتحاكم إلى قانون رباني واحد، فساد العدل والإحسان، والعفو والتسامح بعد أن عرف الإنسان ماله وما عليه، فآثار دعوته صلى الله عليه وسلم بين الناس خالدة، ورسالته نور للبشرية إلى يوم الدين. 
مولد النبي الشريف وإحياء سنته

* مولد النبي صلى الله عليه وسلم.

  • بمولده صلى الله عليه وسلم ولد الهدى، وأشرق الضياء وعم النور، فمولده صلى الله عليه وسلم مولد للإيمان بعد الكفر، ومولد للهداية بعد الضلال، ومولد للحق بعد الباطل، ومولد للنور بعد الظلام.
  •  ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضى الله عنه قَالَ: وَسُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَىَّ فِيهِ».
  • كان مولده عليه الصلاة والسلام عام الفيل، وتوفي أبوه عبد الله وهو في بطن أمه، ولما ولدته أمه أرسلت الى جده عبد المطلب تبشره بحفيده، فجاء مستبشرا، ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكره، وسماه محمدًا ليكون محمودًا في الأرض والسماء.
  •  فهو صلى الله عليه وسلم محمود عند ربه، ومحمود عند أهل السماء، ومحمود عند أهل الأرض.
  •  وهوصلى الله عليه وسلم  محمود في صفاته وأخلاقه، وهو صلى الله عليه وسلم محمود في سلوكه وآدابه، وهو صلى الله عليه وسلم محمود في عبادته وخلواته.
  • وهو صلى الله عليه وسلم محمود في صمته وكلامه، وهو صلى الله عليه وسلم محمود مع أصحابه وأعدائه، وعند أهله وجيرانه، وعند أقاربه وأرحامه.
  •  وهو صلى الله عليه وسلم محمود في كل شيء؛ لأنه محمود في الأرض والسماء؛ لذلك فهو محمد، وفي صحيح البخاري ومسلم عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ –رضى الله عنه– قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم– «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِى يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِى يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ».
مولد النبي الشريف وإحياء سنته

* أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.

  • كان صلى الله عليه وسلم أعلى الخلق أخلاقًا، وأعظمهم أمانةً، وأصدقهم حديثًا، وأجودهم نفسًا، وأسخاهم يدًا، وأشدهم صبرًا، وأعظمهم عفوًا.
  • إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي شرح الله صدره ورفع ذكره، ووضع وزره وأتم أمره، وأكمل دينه وأبر يمينه، ما ودعه ربه وما قلاه، بل وجده ضالًا فهداه، وفقيرًا فأغناه، ويتيمًا فآواه، وخيَّره بين الخلد في الدنيا، وبين أن يختار ما عند الله، فاختار لقاء الله.
  • إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من وطئ الثرى، وأول من تُفتح له الفردوس الأعلى؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنَا سَيِّدُ بَنِى آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ.
  • وكان صلى الله عليه وسلم فصيح اللسان واضح البيان، موجز العبارة موضح الإشارة، آتاه الله جوامع الكلم، وأعطاه بدائع الحِكَم؛ وفي سنن الترمذي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِى فِي وَجْهِهِ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَأَنَّمَا الأَرْضُ تُطْوَى لَهُ إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ».
  • إنه الحبيب المصطفى والرسول المُجتبى الذي بعثه الله جل علا؛ ليخرج الأمة من الوثنية والظلام إلى التوحيد والإسلام، وينقذ الناس من التناحر والتفرق والآثام، إلى العدل والمحبة والوئام.
  • كان ميلاده صلى الله عليه وسلم ميلادًا للأخلاق الفاضلة، والقيم السامية، وكيف لا وقد وصفه ربه بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، وقال هو صلى الله عليه وسلم عن نفسه: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ» رواه البيهقي.
  • فلم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، ولا سخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة؛ ولكن يعفو ويصفح، وتقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها– في وصف رسول الله –صلى الله عليه وسلم– كما في الصحيحين : «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لِنَفْسِهِ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا».
مولد النبي الشريف وإحياء سنته

* الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة والأسوة الحسنة.

  • فما أحوجنا في هذا الزمان للرجوع والتمسك بهذه الأخلاق في هذا الزمان الذي ابتعدت فيه الأمة عن دينها، وعن سنة رسولها، فلنهذب أنفسنا، ولنطهر جوارحنا، ونربي أبناءنا على هذه الأخلاق الاسلامية السامية.
  •  علينا أن نستعيد محبته صلى الله عليه وسلم في قلوبنا  فإنَّ محبةَ رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – يجب أن تكون فِي النفوسِ مغروسةٌ، وطاعتُهُ فِي القلوبِ مطبوعَةٌ، وتكون محبته منْ خلالِ التأسِي بصفاتِهِ وأخلاقِهِ، ودراسةِ سيرتِهِ العطرةِ المباركَةِ، وسيرةِ أصحابِهِ رضوانُ اللهِ عليهِمْ أجمعينَ، الذينَ ربَّاهُمْ، فصنَعَ منهُمْ خيْرَ أُمةٍ أُخرجَتْ للناسِ، وصدقَ اللهُ العظيم إذْ يقولُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الاحزاب:21]. 
مولد النبي الشريف وإحياء سنته

* رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالعالمين.

  • فقد وهبه الله صلى الله عليه وسلم قلباً رحيماً، يرقّ للضعيف، ويحنّ على المسكين، ويعطف على الخلق أجمعين، حتى صارت الرحمة له سجيّة، فشملت الصغير والكبير، والقريب والبعيد، والمؤمن والكافر، فكان بحق رحمة الله للعالمين، قال الله تعالي: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].
  • وكان صلى الله عليه وسلم ذا رَحمةٍ وشَفَقَةٍ وإحسانٍ، يُواسي الفُقراءَ وَيَسْعى في قضاءِ حاجةِ الأرامِلِ والأيتامِ والمساكينِ،  والضُّعفاءِ، وكان من أشدَّ النَّاسِ تَوَاضُعًا وعفوًا وتسامحًا وحلمًا، فما أعظَمَهُ من نبيٍ وما أحلاها من صِفاتٍ، عَسَانا أن نَتَجَمَّلَ ونتحلى بصفاته الكريمة؛ لنكونَ على هديِهِ -صلى الله عليه وسلم-. 
مولد النبي الشريف وإحياء سنته

* إجلال وتعظيم وحب الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم.

  • رُوى في الصحيحين عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِي يَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ وَلاَ يَرَانِي ثُمَّ لأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ».
  • إن حب النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد بلغ في قلوب أصحابه مبلغه، حتى بلغ حبه في قلوبهم أعظم من حبهم لأنفسهم وأولادهم والناس أجمعين؛ ولذلك فقد ضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الدفاع عنه، ونشر دعوته ورسالته؛ لأنهم يعلمون أن حبه من طاعة الله، فمن أحب الله أحب رسوله، ومن أتبع رسوله فقد أحب الله قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31].
  • وحب الرسول صلى الله عليه وسلم عند أصحابه لم يكن حبا باللسان، أو حبًا بالأقوال دون الأفعال كما يفعل البعض منا اليوم؛ ولكنه كان حبًا بالقلب يصدقه القول والعمل، حبًا تحول إلى واقع في حياتهم، فإذا دعاهم للجهاد تسابقوا إليه، وإذا أمرهم بأمر أطاعوه، وإذا نهاهم عن شيء تركوه، بل تحول حبه في قلوبهم إلى سلوك، فهذا مهتم بنعله، وهذا مهتم بوضوئه، وذاك يُصلِح له دابته، وآخر يحمل متاعه وهكذا.
  • بل تجاوز حبهم إلى أبعد من هذا، فبلغ حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنهم راحوا يقتسمون شعر رأسه إذا حلق، ويتقاسمون فضل وضوئه إذا توضأ، يقول عروة بن مسعود لقريش حينما أرسلوه ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح في قصة الحديبية، قال: "دخلت على الملوك، كسرى وقيصر والنجاشي فلم أرَ أحدا يعظمه أصحابه مثل ما يعظم أصحاب محمد محمدا، كان إذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له".
  • ويتجسد هذا الحب أيضا في موقف هذه المرأة الصحابية، المرأة الأنصارية من بني دينار التي قُتلَ زوجها وأخوها وأبوها في معركة أحد، فلما نعوا لها قالت: "ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: "خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه؟ فأشاروا إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل" أي: صغيرة.
  • ومنها قصة الصديق رضي الله عنه لما ضربه المشركون عندما دافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر:28]، فضربوه حتى أغمي عليه، وبعد إفاقته كان أول ما تكلم به أن قال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلما أخبر بحاله قال: إن لله عليَّ أن لا أذوق طعاما ولا شرابا، حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مولد النبي الشريف وإحياء سنته

  • وفي سنن الترمذي أنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ؟ فَقَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الصَّلاَةِ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ»، فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا» قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ إِلاَّ أَنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»، فَمَا رَأَيْتُ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ الإِسْلاَمِ فَرَحَهُمْ بِهَذَا".
  • ولم يكن الصحابة فحسب هم الذين أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحب، بل أحبه كل شيء، فقد أحبه الجذع الذي كان يخطب عليه، كما في صحيح البخاري عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – يَقُولُ: «كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ، وَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ».
  • وأحبه جبل أحد الذي كان يرتقي فوقه كما في صحيح البخاري عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»، فإذا كانت الجمادات أحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن الأولى أن نحبه صلى الله عليه وسلم، ونتمنى رؤيته، ونشتاق إلى لقائه، كما في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ«مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِى لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِى يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ».
  • وكما أننا نشتاق إلى رؤيته صلى الله عليه وسلم فهو أيضا يشتاق إلينا ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا»، قَالُوا أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ»، فَقَالُوا كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ»، قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ».
  • إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من وطئ الثرى، وأول من تُفتح له الفردوس الأعلى؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « أَنَا سَيِّدُ بَنِى آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ.

مولد النبي الشريف وإحياء سنته

إنَّ الإحتِفَالَ الحَقِيقيَّ بمولد نَبِيِّنَا مُحَمَد صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ هُوَ السَّيرعَلى خُطاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ، وإحيَاء سُنَّتَه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ، والدِّفاعَ عَنهُ وَعَن سُنَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ, وحُبِهِ وحُبِّ آلَ بيتِه الطيِّبينَ الطاهرينَ، وصحابتَه الغُرَّ الميامينَ.

اللهم إنَّا نُّشهِدُكَ يا الله أنا نُحب نَبِيِّنَا مُحَمَد صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ، ونُحب أصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فجمعنا بنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ، وأصحابه في الفردوس الأعلى من الجنة، وارزقنا بمحبتنا له شفاعته صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ، وأوردنا حوضه الشريف، واحشرنا تحت لوائه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
تعبيرعن المولد النبوي الشريف









هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تقرأ في هذا الموضوع