الحديث الثالث عشر من الأربعين النووية
"من علامات كمال الإيمان حبك الخير للمسلمين"
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد ..
موعدنا اليوم متابعي مدونة -طريقة للجنة- ومع حديث جديد من أحاديث الأربعين النووية، وهو الحديث الثالث عشر "من علامات كمال الإيمان حبك الخير للمسلمين"
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرزقنا العمل بها؛ لننال شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
* فهيا بنا لنستمع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم *
* الحديث الثالث عشر "ترك ما لا يعني، والاشتغال بما يفيد"
عَن
أَبي حَمزَةَ أَنسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله تعالى عنه -خَادِمِ رَسُولِ الله صلى
الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لَا
يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" رَواهُ
البُخاريُّ ومُسلِم.
* بيان معاني الحديث الثالث عشر.
- لا يؤمن: يفسر هذا النفي رواية أحمد بلفظ "لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير"، وكثيرا ما يأتي هذا النفي لانتفاء بعض واجبات الإيمان وإن بقي أصله.
- لأخيه: في الإسلام.
- ما يحب لنفسه: من الخير كما في رواية أحمد المتقدمة، و"الخير" كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدينية والدنيوية، وتخرج المنهيات.
* شرح معاني الحديث الثالث عشر.
* معنى
قوله: "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ"؛ أي: لا يكتمل إيمانه، فإن نفي الإيمان
له مرتبتان:
- الأولى: نفي أصله، وبه يخرج العبد من الإيمان.
- الثانية: نفي كماله، وبه لا يخرج العبد من الإيمان.
والمراد
منهما في الحديث يرجع إلى المرتبة الثانية، فالمنفي هنا عن العبد هو كمال
الإيمانه، فمحبه المؤمن لأخيه ما يحبه لنفسه هو من كمال الإيمان، وحكمها: الفرض،
والإيجاب؛ لأن كل بناء جاء في الحديث النبوي متضمنًا نفي الإيمان عن العبد، فإن
المذكور بعده يكون واجبًا، وهذا قول ابن تيميه الحفيد في كتاب "الإيمان".
* وقوله:
"لأخِيهِ"؛ أي: لأخيه المسلم؛ لأن عقد الأخوة الدينية
الإيمانية كائن معه دون غيره.
والذي
يحبه العبد لنفسه هو الخير، ووقع التصريح بذلك في رواية الترمذي: "ما يُحِبُ
لنَفسِه مِن خَير"، وهذا يستلزم أن يكره لأخيه ما يكرهه لنفسه من الشر.
والخير:
اسم لكل ما يُرغَب فيه شرعًا وهو نوعان:
- أحدهما: الخير المطلق؛ وهو المُرغَب فيه شرعًا من كل وجه، ومحلُه: الأمور الدينية.
- والخيرية فيه ترجع إلى أصله؛ ومنه طاعة الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
- والآخر: الخير المُقيَّد؛ وهو المُرغَب فيه شرعًا من وجه دون وجه، ومحلُه: الأمور الدنيوية.
- والخيرية فيه ترجع إلى قصده لا إلى أصله؛ كالمال والولد.
- فما كان من الخير المُطلق وجب على العبد أن يُحب لأخيه كما يُحبه لنفسه، وأما ما كان من الخير المُقيد فباعتبار ما يظهر له في أخيه.
- فإن علم أو غلب على ظنه أنه يكون خيرًا له وجب عليه أن يُحبه له، وما علم أو غلب على ظنه أنه يكون شرًا عليه لم يجب أن يحبه له.
- مثال ذلك: رجل من الصالحين عنده ثراء، فعلم أن أحد من أخوانه وصل إليه مال كثير، فحُكمُ مَحبتِه هذا الخير الذي وصل لأخيه لا يتحقق فيه الوجوب على كل حال، بل إذا غلب على ظنه أن أخاه ينتفع بالمال في الخير فيزداد من البِّر والإحسان وجب عليه أن يحبه له كما يُحبه لنفسه، وإن غلب على ظنه أن هذا المال يكون فتنة لأخيه وشرًا عليه، فلا يجب أن يحبه لأخيه كما يحبه لنفسه.
- ومن كمال الإيمان أيضًا أنه إن رأى في أخيه المسلم نقصًا في دينه اجتهد في إصلاحه، وإن رأى فيه خيرًا سدده وأعانه على الثبات عليه والزيادة منه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقول: "إني لأمر على الآية من كتاب الله، فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم".
- فلا يكون المؤمن مؤمنًا حقًا حتى يرضى للناس ما يرضاه لنفسه، وهذا يأتي من كمال سلامة الصدر من الغِّل والغش والحسد، فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يفوقه أحدٌ في الخير، أو يساويه فيه؛ لأنه يُحب أن يمتاز على الناس بفضائله وينفرد بها عنهم، والإيمان يقتضي خلاف ذلك.
* ما يستفاد من الحديث الثالث عشر.
- الحث على محبة الخير للمسلمين.
- من خصال الإيمان أن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه، ويستلزم ذلك أن يبغض له ما يبغض لنفسه.
- الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وفعل الخيرات، وينقص بالمعصية.
- هذا الحديث يُعدُ من الصعب الممتنع؛ ولكن يسهُل على القلب السليم، ويصعُب على القلب المريض بالحقد والحسد عافانا الله وإياكم.
* القواعد المستنبطة من الحديث الثالث عشر.
- قاعدة في التعامل: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
تعليقات
إرسال تعليق