أكثر دعاء كان يردده النبي صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد ..
* تعرف ما هو أكثر دعاء كان يردده النبي صلى الله عليه وسلم؟
سأل قتادةُ خادمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنسَ بنَ مالك رضي
الله عنه: أي دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر؟ قال: كان أكثر
دعوة يدعو بها يقول: "اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب
النار"؛ رواه مسلم.
* أكثر أدعية النبي صلى الله عليه وسلم بين الركن اليماني والحجر الأسود.
- كان النبي صلى الله عليه وسلم يختم طوافه بين الركنين بقوله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، كما كان يختم سائر دعائه بذلك.
- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر الله تعالى كلما أتى على الحجر الأسود ، وكان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201].
- وسار على هدي النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الأطهار، قال عطاء:
"طاف عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فاتَّبعه رجل ليسمع ما يقول، فإذا هو
يقول: {ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار} حتى فرغ،
فقال له الرجل: أصلحك الله، اتَّبعتُك فلم أسمعك تزيد على كذا وكذا، فقال: أوليس
ذلك كلَّ الخير؟!"؛ رواه الطبراني في الدعاء.
- قال حبيب بن صهبان: "سمعت عمر بن الخطاب وهو يطوف حول البيت
وليس له هِجِّيرَى أي: دأب وعادة، إلا هؤلاء الكلمات: {ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار} ؛ رواه ابن أبي شيبة.
- وكان ابن مسعود رضي الله عنه يعلِّم الناس أن يدعوا بهذه الدعوة قبيل
السلام في الصلاة؛ رواه ابن أبي شيبة.
إقرأ أيضا
* بيان معاني دعاء "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار"
- قوله تعالى: «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً»: كل خير وعافية، وكل أمر تستحسنه وتحبه.
- قوله تعالى: «وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً»: كل خير في الآخرة، كالأمن من الفزع الأكبر، وتيسير الحساب، وتثقيل الميزان، وتبييض الوجه، وأن يعطى الكتاب بيمينه، والنجاة من عذاب الله، وأعظم ذلك دخول الجنة، ونيل رضاء الله، والنظر إلى وجهه، وما ذكره المفسرون فيهما ليس على سبيل الحصر، وإنما هو للمثال.
- قوله تعالى: «وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»: اصرف عنا ذلك، وهذه تشمل شيئين:
- الأول: العصمة من الأعمال الموجبة لدخول النار.
- الثاني: المغفرة للذنوب التي توجب دخول النار.
ومن صرف عنه عذاب جهنم وأُدخل الجنة كان من الفائزين، قال الله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185].
* سبب نزول قوله تعالى: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار"
هذه
الآية جاءت في سياق الحديث عن الحج وأعماله، وتصحيح المفاهيم والأخطاء التي
يرتبكها أهل الجاهلية، وفي هذا السياق يذكر المولى سبحانه وتعالى فريقين من الناس:
- أحدهما: فريق همه الدنيا حريص عليها ومشغول بها، لا يذكر من أمر الآخرة شيئًا، فهؤلاء قد يعطيهم الله تعالى نصيبًا من الدنيا ولكن لا نصيب لهم في الآخرة؛ لأنهم يقتصرون في دعائهم على الدنيا فقط فيقولون: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا}.
- أما الفريق الثاني: فهو أكبر نفوسًا وأعلى همة وأبعد نظرًا وأعمق تفكيرًا؛ لأنه موصول بالله تعالى، يريد الحسنة في الدنيا ولا ينسى نصيبه من الآخرة، فهو يدعو الله تعالى، ويقول في دعائه: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201].
- قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} أي: من نصيب ولا حظ، وتضمن هذا الذم والتنفير عن التشبه بهم بمن هو كذلك.
- وعن ابن عباس قال: "كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللهم اجعله عام غيث وخصب.. لا يذكرون من أمر الآخرة شيئًا، فأنزل الله فيهم: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ...الآية. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل من انشغل بدنياه ولم يلتفت لآخرته يتناوله هذا الذم.
- أما من سأل الله تعالى الدنيا والآخرة فقد سلك منهج القرآن وامتثل أمر الله تبارك وتعالى حيث يقول: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77].
- قال ابن كثير: وقد مدح الله تعالى من يسأله الدنيا والآخرة، فقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201].
- وعليه فإن من سأل الله تعالى أن يفرج عنه في الدنيا دون أن يغفل أمر آخرته فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى، وقد قال الله تعالى في شأن عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74]. والله أعلم.
* شرح دعاء "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار"
ذكر سبحانه
هذه الدعوة في سياق الثناء والتبجيل في كتابه الكريم تعليماً لنا في التأسي والعمل
بالتنزيل بملازمتها مع فهم معانيها ومضامينها، وما حوته من جوامع الكلم الطيب، مع
قلّة المباني، وعظيم المعاني.
فقدموا
توسلهم بأجمل الأسامي والصفات: «رَبَّنَا» نداء فيه إقرار بالربوبية العامة للَّه
تعالى المستلزمة لتوحيده في الألوهية، فجمعوا بين أنواع التوحيد التزاماً وتضمناً، وهم يستحضرون كذلك ربوبيته
الخاصة لخيار خلقه الذين رباهم بلطفه، وأصلح لهم دينهم ودنياهم، فأخرجهم من
الظلمات إلى النور، وهذا متضمن لافتقارهم إلى ربهم، وأنهم لا يقدرون على تربية
نفوسهم من كل وجه، فليس لهم غير ربهم يتولاهم، ويصلح أمورهم. [المواهب الربانية
للعلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي].
لهذا ينبغي
للداعي أن يستحضر هذه المعاني الجميلة من ربوبيته تعالى العامة لكل الخلق،
وربوبيته الخاصة، فإن ذلك يوجب للعبد الخشوع والخضوع، وتذوق حلاوة المناجاة،
والدعاء التي لا يعادلها أي شيء من المحبوبات.
* «آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً»: سؤال من خير الدنيا كله بأوجز لفظ وعبارة،
فجمعت هذه الدعوة كل خير يتمناه العبد، "فإنّ الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب
دنيوي، من عافية، ودارٍ رحبةٍ، وزوجةٍ حسنةٍ، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح،
ومركب هنيءٍ، وثناء جميل، إلى غير ذلك". [تفسير ابن كثير].
* «وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً»: "أما الحسنة في الآخرة فلا شك أنها الجنة؛
لأن من لم ينالها يومئذٍ فقد حُرم جميع الحسنات" [ابن جرير الطبري]، فهي أعلى حسنة،
ويدخل في حسنات الآخرة كذلك: "الأمن من الفزع الأكبر في العرصات، وتيسير الحساب" [تفسير ابن كثير]، وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة.
* «وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»: "وهذا يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا، من
اجتناب المحارم والآثام، وترك الشبهات والحرام" [تفسير ابن كثير]، وتتضمن هذه
الوقاية أيضاً "ألاّ يدخل النار بمعاصيه، ثم تخرجه الشفاعة" [تفسير القرطبي]، ثم
بيَّن علو درجتهم، وبُعد منزلتهم في الفضل، كما دلّ على ذلك اسم الإشارة (أولئك) {أولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا
وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب} [البقرة:202].
ولما كان هذا
الدعاء المبارك الجامع لكل معاني الدعاء من أمر الدنيا والآخرة، كان أكثر أدعيته صلى الله عليه وسلم كما أخبر بذلك أنس رضي الله عنه أنه قال: "كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم"، رواه البخاري ومسلم.
واقتدى بذلك
أنس رضي الله عنه، فكان لا يدعه في أي دعاء يدعو به، وقد طلب منه
بعض أصحابه أن يدعو لهم، فدعا لهم بهذه الدعوة المباركة، ثم قال: "إذا آتاكم
اللَّه ذلك فقد آتاكم الخير كله"، [فتح الباري].
* فوائد من دعاء "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار"
تضمنت هذه
الدعوة جملاً من الفوائد، منها:
- يحسن بالداعي أن يجمع في دعائه بين خيري الدنيا والآخرة.
- ينبغي لكل داعٍ أن يكون نصيب دعائه الأكبر في أمورالآخرة، فجاء في هذا الدعاء سؤال أمرين عظيمين من أمور الآخرة: وأمرٍ واحدٍ من أمور الدنيا }وَفِي الآخِرَةْ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار}
- أهمية التوسل بصفاته تعالى الفعلية {قنا}؛ لقول اللَّه، وتأسيّاً برسولنا صلى الله عليه وسلم.
- ينبغي للداعي أن يكون من أصحاب الهمم العالية.
- أن الإنسان لا يذم إذا طلب حسنة الدنيا مع حسنة الآخرة.
- أن كل إنسان محتاج إلى حسنات الدنيا والآخرة.
- من حُسن الدعاء أن يجمع في مطالبه بين الرغبة {آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَة}، والرهبة {قِنَا عَذَابَ النَّار} حتى يكون العبد بين الخوف والرجاء.
- أهمية أدعية كتاب اللَّه تعالى، فهي كافية وشافية من جميع المطالب التي يتمناها العبد في دينه، ودنياه، وآخرته.
فلنحرص على هذا الدعاء الجامع لخيري الدنيا والآخرة، ولنكثر منه
في الرخاء والشدة طمعًا في كرم الله تعالى وجوده، ويقينًا بالله الحليم، فعن عبادة
بن الصامت رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما على الأرض مسلمٌ
يدعو اللهَ تعالى بدعوةٍ إلا آتاه اللهُ إياها أو صَرَف عنه من السوءِ مثلَها ما
لم يدعُ بمأثمٍ أو قطيعةِ رَحِمٍ فقال رجلٌ من القوم إذا نُكثِرُ قال اللهُ أكثرُ»، رواه الترمذي.
نسأل
الله العظيم رب العرش العظيم أن يرزقنا من فضله، وينعم علينا بإحسانه.
وصلى
الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
تعليقات
إرسال تعليق