خصائص النبي صلى الله عليه وسلم
* خصائص النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
- بُعِثَ بالحَنيفيَّة السَّمحة صلى الله عليه وسلم.
- قال ابن القيم رحمه الله: "جمع بين كونها حنيفيَّة وكونها سمحة، فهي حنيفيَّة في التوحيد سمحة في الأخلاق، وضدُّ الأمرين: الشِّرك وتحريم الحلال".
- بُعِثَ إلى الثَّقلَين صلى الله عليه وسلم.
- عَن جَابر بِن عَبدِ الله رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «كانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّةً» رواه البخاري.
- كانتْ بَعثتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِلنَّاسِ كافَّةً، فهو خاتمُ الأنبياءِ؛ ولذلك جُعِلَتْ رسالتُه عامَّةً لِتَصِلَ إلى الخَلْقِ كلِّهم.
- كان النبيُّ قبْلَه يُبعَثُ إلى قَومِه فقطْ، وعندَ مسلمٍ مِن حديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه مرفوعًا: «وأُرسِلْتُ إلى الخَلْقِ كافَّةً، وخُتِم بيَ النَّبيُّونَ».
- وفي الحديث: بيانُ تفاضُلِ الأنبياءِ على بعضِهم بفَضلٍ مِن اللهِ تعالَى.
- كتابُه ودعوَتُه صلى الله عليه وسلم.
- قال سبحانه وتعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم:1].
- آياتُه صلى الله عليه وسلم.
- أكبر آياته صلى الله عليه وسلم القرآن، وما من آية أوتيها رسول ولا نبي قبله إلا وله صلى الله عليه وسلم منها حظٌ ونصيب.
- محبتهُ صلى الله عليه وسلم دين.
- عَن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ» رواه البخاري.
- مَحبَّةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أُصولِ الإيمانِ، وهي مَقرونةٌ بمَحبَّةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
- لا يكونُ المؤمنُ مُؤمنًا كاملًا حتَّى يُقدِّمَ مَحبَّةَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على مَحبَّةِ جَميعِ الخَلْقِ.
- عَلامةُ مَحبَّةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنَّه عندَ تعارُضِ طاعةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أوامرِه، مع داعٍ آخَرَ يَدْعو إلى غَيرِها مِن هذه الأشياءِ المحبوبةِ حالان:
- - فإنْ قدَّم المرْءُ طاعةَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وامتثالَ أوامرِه على ذلك الداعي؛ كان ذلك دَليلًا على صِحَّةِ مَحبَّتِه للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
- - وإنْ قدَّم على طاعتِه وامتثالِ أوامرِه شيئًا مِن هذه الأشياء المحبوبةِ طَبْعًا، دلَّ ذلك على عدَمِ إتيانِه بالإيمانِ التَّامِّ الواجبِ عليه.
- ومِن مَحبَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَصرُ سُنَّتِه، والذَّبُّ عن شَريعتِه، وتَمنِّي حُضورِ حَياتِه فيَبذُلَ مالَه ونفْسَه دونَه.
- ولا تصِحُّ هذه المحبَّةُ إلَّا بتَحقيقِ إعلاءِ قدْرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَنزلتِه على كلِّ والدٍ وولَدٍ، ومُحسِنٍ ومُفَضَّلٍ.
- وهذا الحديثُ مِن جَوامعِ الكَلِمِ؛ لأنَّ هذه الألْفاظَ اليَسيرةَ جمَعَتْ مَعانيَ كَثيرةً حَصَرَ فيها أصنافَ المحبَّةِ؛ وفيه أنَّ أقسامَ المحبَّةِ ثلاثةٌ:
- - مَحبَّةُ إجلالٍ وعَظَمةٍ، كمَحبَّةِ الوالدِ.
- - مَحبَّةُ شَفقةٍ ورَحمةٍ، كمَحبَّةِ الولَدِ.
- - مَحبَّةُ استحسانٍ ومُشاكَلةٍ، كمَحبَّةِ سائرِ الناسِ.
- حُكمُ مُبغِضِه صلى الله عليه وسلم.
- هُوَ الخَليلَ صلى الله عليه وسلم.
- عَن جندب بن عبد الله رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «فإنَّ اللهِ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كما اتَّخَذَ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا» رواه مسلم.
- وفي الحديث: إثباتُ الخُلَّةُ لمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما أنَّها ثابتةٌ لإبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.
- هُوَ أحد أولِي العَزم مِنَ الرُسل صلى الله عليه وسلم.
- قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}[الأحزاب:7].
- عِلمُهُ صلى الله عليه وسلم.
- عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «إنَّ أتْقَاكُمْ وأَعْلَمَكُمْ باللَّهِ أنَا» رواه البخاري.
- وفي الحديث: بيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكثرُ الناس عِلمًا بما يُرضي اللهَ، وكلَّما كان العبدُ أكثرَ عِلمًا، كان أكثرَ طاعةً وعِبادةً وتَقوَى.
- قال سبحانه وتعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ .... الآية} [الأنعام:50].
- حُكمُ مُطيعِه صلى الله عليه وسلم ومُخالفِه.
- قال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران:31].
- وقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:139].
- عَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَن يَأْبَى؟ قالَ: مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَانِي فقَدْ أَبَى» رواه البخاري.
- الشَّهادةُ بأنَّ محمَّدًا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم تتضمَّنُ طاعتَه في كلِّ ما أمَر به، واجتنابَ كلِّ ما نَهى عنه؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}[النساء: 59].
- قول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "كلُّ أُمَّتي يَدخُلُونَ الجنَّةَ إلَّا مَن أَبَى"، أي: مَن عَصَاني بأنِ امتنَعَ عن قَبولِ دَعْوتي أو امتثالِ أمْري.
- المعنى: مَن أطاعَني وتمسَّكَ بالكتابِ والسُّنَّةِ، دخَل الجنَّةَ، ومَنِ اتَّبَعَ هواهُ وزَلَّ عن الصَّوابِ، وضلَّ عن الطَّريقِ المستقيم، دخَل النَّارَ.
- عَن ابن عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «وجُعِلَ الذُّلُّ والصَّغَار على مَنْ خالَف أمري» رواه أحمد.
- قولُه: "وجُعِلَ الذُّلُّ والصَّغارُ" وهو التَّحقيرُ "على مَن خالَفَ أمْري"؛ وذلك لأنَّ العِزَّةَ للهِ ولرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولمَن اتَّبَعَه، فمَن خالَفَ أمْرَ اللهِ ورَسولِه ضُرِبَ بالذُّلِّ والتَّحقيرِ.
- وفي الحديث: دليل على أنَّ العزَّ والرِّفعة في الدنيا والآخِرة بمتابعة أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لامتثال متابعة أمر الله تعالى؛ قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: 8]، وقال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}[فاطر: 10]؛ فالذِّلَّة والصَّغار تحصل بمخالفة أمر الله.
- أمَّتُهُ صلى الله عليه وسلم.
- قال سبحانه وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:110].
- عَن أبِي سَعيد الخُدريّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنِّي لأَطْمَعُ أنْ تَكُونُوا شَطْرَ أهْلِ الجَنَّةِ» رواه مسلم.
- عِظَم هَوْل يومِ القِيامة.
- إخباره صلَّى الله عليه وسلَّم عن الغَيْبيَّات.
- رحمة الله عزَّ وجلَّ بأمَّة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم.
- بلدُه صلى الله عليه وسلم.
- بلدُه صلى الله عليه وسلم مكة قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:96-97].
- ومكة بلدٌ حرامٌ فعّن عَبدِ الله بِن عَباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «إنَّ هذا البَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَومَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ، فَهو حَرَامٌ بحُرْمَةِ اللهِ إلى يَومِ القِيَامَةِ» رواه مسلم.
- أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَكَّةَ المُكرَّمةَ حرَّمَها اللهُ يومَ خلَقَ السَّمواتِ والأرضَ؛ فإنَّ تَحريمَها أمرٌ قَديمٌ، وشَريعةٌ سالفةٌ، ليس ممَّا أحْدَثه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أو اختُصَّ بشَرْعِه، وهذه الحُرمةُ مُستمِرةٌ إلى يَومِ القِيامةِ.
- عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَت: قالَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» متفق عليه.
- المعنى: لا هجرة من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام.
- قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: في هذا الحديث نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة بعد الفتح، فقال: «لَا هِجْرَةَ»؛ وهذا النفي ليس على عمومه.
- بمعني أن الهجرة لم تبطل بالفتح؛ بل إنه «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَخْرُجَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»؛ كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- المراد بالنفي هنا نفي الهجرة من مكة؛ لأن مكة بعد الفتح صارت بلاد إسلام، ولن تعود بعد ذلك بلاد كفر؛ ولذلك نفى النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون هجرة بعد الفتح.
- قبلتهُ صلى الله عليه وسلم.
- قبلتهُ صلى الله عليه وسلم الكعبة، وكانت قبل ذلك إلى بيت المقدس قال سبحانه وتعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ .... الآية}[البقرة:144].
- والمسجد الحرام هو أول مسجد وضع في الأرض فَعَن أَبِي ذرٍّ الغِفارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: «قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ؟ قالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ» رواه البخاري
- سألَ الصَّحابيُّ الجليلُ أَبو ذرٍّ الغِفارِيُّ رضيَ اللهُ عنه النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالَ: أيُّ مَسجِدٍ وُضِعَ أوَّلُ؟ أيْ: للصَّلاةِ، فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُجِيبًا أبا ذَرٍّ: المسجِدُ الحرامُ، وفيهِ الكَعبةُ المشرَّفةُ.
- عَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: «سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ» رواه البخاري.
- فَريضةُ الحجِّ هي الرُّكنُ الخامسُ مِن أركانِ الإسلامِ، وقد وَعَدَ اللهُ تعالَى مَن أدَّاها بحقِّها بأعظَمِ الجَزاءِ.
- في هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن حَجَّ للهِ مُبتغيًا وجْهَه بلا رِياءٍ ولا سُمعةٍ، فلَم يَرفُث، بمعنى: فلم يَفعَلْ شَيئًا مِن الجِماعِ أو مُقدِّماتِه، وقيل: الرَّفَثُ اسمٌ للفُحشِ مِن القولِ، ولَم يَفسُقْ، أي: ولَم يَرتكِبْ إثمًا أو مُخالَفةً شَرعيَّةً -صَغيرةً أو كَبيرةً- تُخرِجُه عَن طاعةِ اللهِ تعالَى، فمَن فَعَلَ ذلك عادَ بعدَ حَجِّه نَقيًّا مِن خَطاياهُ كما يَخرُجُ المولودُ مِن بطْنِ أُمِّه، أو كأنَّه خَرَجَ حِيَنئذٍ مِن بَطْنِ أُمِّه، ليس عليه خَطيئةٌ ولا ذَنْبٌ.
- وصرَّحَ بنَفْيِ الفِسقِ في الحجِّ، مع كَونِه مَمنوعًا في كلِّ حالٍ، وفي كلِّ حِينٍ؛ لزِيادةِ التَّقبيحِ والتَّشنيعِ، ولزِيادةِ تَأكيدِ النَّهيِ عنه في الحجِّ، وللتَّنبيهِ على أنَّ الحجَّ أبعَدُ الأعمالِ عن الفِسقِ.
- وفي الحديثِ: بَيانُ فضْلِ الحجِّ، وأنَّ الحجَّ المُستوفيَ لشُروطِه مُكفِّرٌ للذُّنوبِ جَميعِها صَغائرَ وكَبائرَ، إلَّا ما وَرَدَ في حُقوقِ العِبادِ.
- عَن أَبي الدَردَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: « فَضلُ الصَّلاةِ في المسجِدِ الحرامِ علَى غيرِه مائةُ ألفِ صلاةٍ ، وفي مَسجدِي ألفُ صَلاةٍ ، وفي مَسجدِ بيتِ المقدِسِ خَمسُمِائةِ صلاةٍ».
- جعَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ التَّفاضُلَ في كُلِّ شَيءٍ، ففضَّلَ بعضَ الأنبياءِ على بعضٍ، وبعضَ الشُّهورِ على بعضٍ، وبعضَ البِقاعِ على بعضٍ، ومِن هذه البِقاعِ التي فضَّلها اللهُ عزَّ وجلَّ: المسجِدُ الحَرامُ، ومَسجِدُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
- وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن فَضْلِ الصَّلاةِ في هَذينِ المسجدَينِ، فيقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:
- "صَلاةٌ في مَسجِدي"، أي: في مَسجِدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المدينَةِ، "أفضَلُ من أَلْفِ صَلاةٍ فيما سِواه"، أي: من غَيرِه من المساجِدِ إلَّا المسجِدَ الحَرامَ؛ لأنَّ الصَّلاةَ فيه "أفضَلُ مِن مِئَةِ أَلْفِ صَلاةٍ".
- وظاهِرُ الحَديثِ على أنَّه لا خِلافَ بين الفَريضَةِ والنَّافِلَةِ، والمُرادُ بالمسجِدِ الحَرامِ جَميعُ الحَرَمِ، ولا يَختَصُّ ذلك بالمَكانِ المُعَدِّ للصَّلاةِ فيه.
- وفي الحديث: بَيانِ فضْلِ مَسجِدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ حيثُ أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الصَّلاةَ فيه أفضَلُ مِنْ ألْفِ صَلاةٍ في غَيرِه مِنَ المساجِدِ، إلَّا المسجِدَ الحَرامَ؛ فإنَّ الصَّلاةَ فيه أفضلُ - مِن مِئةِ ألْفِ صَلاةٍ في غَيرِه مِنَ المساجِدِ. 
- وهذا التَّضعيفُ يكونُ في الثَّوابِ، ولا يَتعدَّى إلى الإجزاءِ عن الفوائتِ، فلو كانَ عليه صَلاتانِ فصلَّى بمَسجِدِ مكَّةَ أو المدينةِ واحدةً؛ لم تُجْزِ عنهما. 
- عَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هذا، وَمَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأقْصَى» رواه مسلم.
- وسُمِّي بالأقْصى لبُعْدِه عن المسجدِ الحرامِ في المسافةِ. 
- وقولُه: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ» نفْيٌ، والمرادُ منه النَّهيُ، وهو أبلَغُ مِن صَريحِ النَّهيِ، كأنَّه قال: لا يَستقيمُ أنْ يَقصَدَ بالزِّيارةِ إلَّا هذه البِقاعُ؛ لاختِصاصِها بما اختُصَّتْ به. 
- والرِّحالُ: جمْعُ رَحْلٍ، وهو للبَعيرِ كالسَّرجِ للفرَسِ، وكُنِّيَ بشَدِّ الرِّحالِ عن السَّفَرِ؛ لأنَّه لازِمُه، وخرَجَ ذِكرُها مَخرَجَ الغالبِ في رُكوبِ المسافرِ، وإلَّا فلا فرْقَ بيْن رُكوبِ الرَّواحلِ، والخيلِ، والبِغالِ، والحَميرِ، وغيرِها مِن الوسائلِ المعاصِرةِ، كالطائرةِ والسَّيارةِ ونحْوِ ذلك. 
- بَيانُ فَضل المساجِدِ الثَّلاثةِ ومَزيَّتِها على غيرِها.
- النَّهيُ عن شَدِّ الرِّحالِ -وهو السَّفرُ- إلَّا إلى المساجِدِ الثَّلاثةِ: المسجدِ الحرامِ، والمسجدِ النَّبويِّ، والمسجدِ الأقْصى.
- اختِصاصُ المساجِدِ الثَّلاثةِ بالأفضليَّةِ؛ لأنَّ:
- - الأوَّلَ فيه حَجُّ الناسِ وقِبلتُهم أحياءً وأمواتًا.
- - الثاني أُسِّسَ على التَّقوى وبَناهُ خَيرُ البَريَّةِ، زادَهُ اللهُ شَرَفًا.
- - الثالثُ قِبلةُ الأُمَمِ السالفةِ.
 





تعليقات
إرسال تعليق