القائمة الرئيسية

الصفحات

ادعو الله باسمه "البارئ"

 

ادعو الله باسمه "البارئ"


لفضيلة الشيخ الدكتور: حسن بن عبد الحميد بخاري.


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد ..

أسعد الله أوقاتكم بطاعته ومرضاته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

  • لقد كان نَبِيِّنَا صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ يثني عَلَى ربه فيحسن الثناء، وكان مِمَّا أثنى به عَلَى ربه عَزَّ وَجَلَّ أنه وصفه بكونه برأ المخلوقات وذرأها وخلقها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  • في الحديث الَّذِي حسنه الألباني -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- فيما روى الإمام أحمد، أن النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لما كادته الشياطين وتحدرت عليه من رؤوس الجبال، وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: فرعب، فأتاه جبريل عَلَيْهِ السَّلَامُ  فَقَالَ: قل: «أعوذُ بكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، مِن شرِّ مَا ذَرَأَ وَخلقَ وبَرَأَ، ومِن شرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ، ومِن شرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، ومِن شرِّ مَا ذَرَأَ فِي الأرضِ، ومِن شرِّ مَا يخرجُ مِنْها، ومِن فِتَنِ الليلِ والنَّهارِ، ومِن شرِّ كلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ!»، قَالَ: فَطَفِئَتْ نارُ الشَّيَاطين، وهَزَمَهُمْ اللهُ تَعَالَى.

* معنى اسم الله "البارئ".

  • برأ سُبْحَانَهُ خلقه: أي: بثهم وأوجدهم ونشرهم بين الخلائق، فسبحان البارئ جَلَّ فِي عُلَاهُ!
  • في سورة البقرة، قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة: 54].
  • هاتان مرتان متجاورتان في الكتاب والسنة جاء فيهما اسم البارئ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

  • والبارئ في اللغة يأتي بمعنى خلق، فإنه اسم فاعل من برأ.
  • برأ فعل من الأفعال الَّتِي تدل عَلَى معنى الخلق والإيجاد.
  • ولهذا جاء اسم البارئ الْثَّالِث في القرآن الكريم مجاورًا للفعلين والاسمين المشتملين عَلَى الخلق والتصوير في ختام سورة الحشر: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الحشر: 24].

* معنى "برأ" في اللغة.

  • وبرأ في اللغة: تدل عَلَى معنيين أصليين كما يقول أهل اللغة:
  • - أَحَدُهُمَا: الخلق، كما في قوله تَعَالَى: {فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ}[البقرة: 54]؛ أي: إِلَى الله خالقكم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  • - وَأَمَّا المعنى الآخر: فهو التباعد عن الشيء، ومنه قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لما خرج من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ -في مرضه الَّذِي مات فيه- فخرج من عنده وسأله الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أصبح بارئًا بحمد الله، يعني معافىً من المرض الَّذِي كان قد ألم به، والوجع الَّذِي نزل به صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.

  • ومن هذَا المعنى اللغوي جاء اسم البارئ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنه الخالق لخلقه من عدم، وهو واهب الحياة للأحياء، وهو جَلَّ جَلَالُهُ البارئ الخالي من العيوب، السالم من الآفات.
  • فالبارئ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما يدل عَلَى معنى الخلق -وفيه العظمة والقدرة الإلهية- فإنه يدل عَلَى معنى الكمال والسلامة من العيوب والآفات، والتنزه عن النقائص، وما لا يليق بِالْرَّبِّ الكريم فسبحان البارئ جَلَّ فِي عُلَاهُ.
  • ربنا البارئ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ أي: الخالق، وإن كان اسم الباري يحمل مزية في الاختصاص في معنى الخلق، فإنه يحمل معنى فصل الخلائق وتمييزها عن بعضها، لأن أحد معنيي برأ: التباعد عن الشيء -كَمَا تَقَدَّمَ-، وقد ذَكَرَ بعض أهل العلم تمييزًا بين اسم الخالق واسم البارئ، بأنهما يشتركان في معنى الخلق والإيجاد -كَمَا تَقَدَّمَ- أيضًا.

* أقوال أهل العلم في معنى اسم الله "البارئ".

  • يقول الشوكاني رَحِمَهُ اللَّهُ: الباري أي الخالق، وقيل: أي المبدع الموجد خلقه عَلَى غير مثال ونظير سبق.
  • ولذلك قَالَ ابن كثير أيضًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: البارئ الخالق، ولما فرق بينهما قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
  • - الخلق هو التقدير.
  • - وَأَمَّا البرء فهو إبراز وتنفيذ ما قدره وقرره إِلَى الوجود.
  • فجعل بين المعنيين فاصلًا يتميز كل واحد منهما عن الآخر.
  • أما الإمام الخطابي رَحِمَهُ اللَّهُ فقد ذهب إِلَى أن برأ واسم البارئ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يختص بالخلق المتعلق بعالم الحيوان، وَأَمَّا الخلق فهو أعم، يشمل الجمادات وغيرها، فالخلق يشمل السماء والأرض والجبال، قَالَ: وقلَّما يستعمل فيها اسم البارئ، فما يقال: برأ السماء وبرأ الأرض، لكن المقصود بث الحياة في مخلوقاته الأحياء، وهنا يتميز بين الاسمين معنى نجده فارقًا لأنه ليس في أسماء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المتغيرة ترادف تام من كل وجه.
  • ومنه ما كان يقسم به علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عندما يقول: لا وَالَّذِي فلق الحَبة وبَرأ النَّسمَة.

* ماذا يعني إيمانك باسم الله "البارئ".

  • يا كرام، ربنا البارئ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي برأنا وخلقنا وذرأنا وأوجدنا من العدم، رب عظيم، هذَا الاسم يستوجب في النفوس كمال التعظيم والتوحيد لله البارئ، لأنه لا أحد يشاركه في هذَا الاسم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وخلقه إن كانت لهم فضل صنعة وإيجاد في شيء مِمَّا سخرها لهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن البرء أمر تفرد الله جَلَّ جَلَالُهُ به.
  • فلنجعل في توسلاتنا إِلَى الله، ودعواتنا الَّتِي نجعل فيها من أسمائه الحسنى وصفاته العلا ما تشعر به النفس تعظيمًا وإجلالًا تستدر به رحمة الله وعطفه، وتستنزل قضاء حوائجها اسم البارئ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  • واعلموا أن البارئ الَّذِي خلقنا وأحسن تصويرنا وأوجدنا من عدم، وسلمنا من العيوب، وما زالت أفضاله علينا تترى كريم عظيم، ننشأ ونُنشئ أجيالنا عَلَى تعظيمه وكمال حبه وَالتَّعَلُّق به جَلَّ جَلَالُهُ.
  • كلما أبصر أحدنا نفسه في المرآة فرأى فيها كمال الخلقة واستوائها، وجمال الصورة وحسنها، وسلامتها من العيوب والنقائص، وقدرته عَلَى حياة يعيش بها بين الأحياء.

فليعلم أن البارئ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الخالق العظيم، الَّذِي خلقه فصوره وأحسن خلقته، رب كريم إِنَّمَا يستحق كمال العبودية الَّتِي خلقنا الله تَعَالَى لأجلها.


 وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.







هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تقرأ في هذا الموضوع