مرحبًا بكم وحياكم الله
- في أعقاب غزوة أحد -كَمَا تَعْلَمُونَ- أقبل أبو سفيان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -وكان إذ ذاك مشركًا- فأشرف عَلَى القوم فجعل ينادي: أفي القوم مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ والنَّبيّ عليه الصلاة والسلام في الشعب يقول لأصحابه: «لَا تُجِيبُوهُ»، فنادى: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ والنَّبيّ عليه الصلاة والسلام يقول: «لَا تُجِيبُوهُ».
- ثُمَّ قال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ والنَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا تُجِيبُوهُ»، فنادى أبو سفيان: أمَّا هؤلاء فقد قُتلوا جميعًا، إنهم لو كانوا أحياءً لأجابوكم، فما تمالك عمر رضي الله عنه نفسه أن قَالَ: لقد أبقى الله عليك ما يخزيك يا عدو الله، فَقَالَ أبو سفيان بحميَّة الجاهلية: اُعْلُ هُبَل، فَقَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أَجِيبُوهُ»، قالوا: ما نقول يا رسول الله؟، قَالَ: «قُولُوا اللّٰهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ»، فَقَالَ أبو سفيان: لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم، قَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أَجِيبُوهُ»، قالوا: ما نقول يا رسول الله؟، قَالَ: «قُولُوا، اللَٰهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ».
* المواضع التي ذكر فيها اسم الله "الوليّ" في الكتاب والسنة.
- قال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الشورى:9].
- تكرر اسم الوليّ سبحانه وتعالى في القرآن الكريم كثيرًا، في مثل قوله تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}[الشورى:28].
- وفي مثل قوله تَعَالَى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة:257].
- والنَّبيّ عليه الصلاة والسلام كان يقول في دعائه: «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا».
- وجاء أيضًا في الكتاب الكريم:{ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ} [محمد:11]، فالله سبحانه الوليّ، وهو مولى المؤمنين.
* معنى اسم الله "الوليّ".
- أما الوليّ في اللغة: فيأتي بمعنى المتولي للأمر والقائم به، كما يقول الإمام الخطابي رَحِمَهُ اللَّهُ.
- ومن ذلك يقال: وليّ اليتيم، ووليّ المرأة في النِّكَاح، -يعني- من يتولى الأمر ويقوم به ويشرف عليه.
- فالله عز وجل متولي أمر الخلائق، القائم بتدبيرها سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، وَهذَا في اللغة من الْوَلْيِ بمعنى القرب.
- ويأتي -أيضًا- في اللغة الوليّ من الموالاة -وهي النُّصرة- كذلك بمعنًى آخر في اللغة، وبهذا فإن معنى الآية: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}[البقرة:257]، كما يقول الإمام الطبري رحمه الله: "أي نصيرهم وظهيرهم يتولاهم بعونه وتوفيقه"، ومنه الآية الكريمة: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا}[محمد:11].
* أنواع ولاية الله تعالى لعبادة.
- الولاية الأولى: ولاية عامة.
وهي بمعنى التدبير والتولي للأمر والقيام بشؤون
الخلق إنسهم وجنهم، أحيائهم وجماداتهم، فخالق الخالق وحده هو المتولي لأمر خلقه جل
في علاه.
- الولاية الثانية: ولاية خاصة.
وهي خاصة بعباده وأوليائه من يتولاهم ربنا بحفظه بنصره، يتولاهم بتأييده وتوفيقه، ومنه الآية الكريمة: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}[البقرة:257].
- مِمَّا يدل عليه اسم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الوليّ: تنزيهه جل جلاله، أن يكون في ولايته لأحدٍ أو في ولاية أحدٍ له سبحانه شيء من الذل، ولهذا قَالَ الله تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء:111].
- فالله أكبر، سواءٌ كانت ولايةً عامةً لجميع خلقه بالتدبير والخلق والعلم والإحاطة، أو كانت ولايةً خاصةً بعباده المؤمنين وأوليائه المتقين.
* ماذا يعني إيمانك باسم الله "الوليّ".
- إن من معاني اسم الله تَعَالَى الوليّ -أَيُّهَا الإخوة الكرام- أن يعيش العبد في كنف هذَا الاسم العظيم من أسماء الله الحسنى معنى القرب من الله؛ لأن الله وليه سبحانه وتعالى،{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}[البقرة:257].
- فمن عاش هذَا المعنى وجد في ثناياه مما يبعث عَلَى القوة والطمأنينة وعدم إصابته بمكروهٍ والنَّصر عَلَى الأعداء مهما كان عددهم وعتادهم، والله يقول: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[التوبة:51].
- من كان الله وليه اجتهد في تصفية أعماله وإخلاصها، في مباعدته ومجافاته عما يُغضب الله، وترك المعاصي والسيئات، قال تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}[النساء:123].
- من كان الله وليه وجد ما يبعث عَلَى قوته واطمئنانه وهو يركَن إِلَى ربٍّ عظيم ولي، فيكون له من معاني الاعتداد والنُّصرة والقوة ما هو لائقٌ بربٍّ عظيم سمى نفسه بالوليّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
* دعاء النَّبيّ صلى الله عليه وسلم باسم الله "الوليّ".
- يا أحبة، كان من دعوات نبينا عليه الصلاة والسلام ما نقوله في وترنا في القنوت: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ»، إنها طلب الولاية من الله.
- فإذا تولى الله عبدًا اصطفاه واجتباه، وأكرم عليه وهداه، وبلغ العبد مرتبةً يقال لها ولاية الله، فيكون العبد وليًّا لله، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس:62].
- والنَّبيّ عليه الصلاة والسلام قد قَالَ الله له: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}[الأعراف:196].
* ولاية الله تعالى لنييه يوسف عليه السلام.
- ولنا في قصة نبي الله يوسف عليه السلام أعظم العِبْرَة والعظة والطمع في نيل ولاية الله.
- لمَّا تولى الله أمر نبيه يوسف عليه السلام، أحوج القافلة إِلَى الماء لتأتي البئر فتخرجه مما فعله به إخوته، ثم أحوج امرأة العزيز للولد حتى تأخذه وتتبناه، ثم أحوج أهل السجن لتعبير الرؤى، فيكون فيه خروجه من ذاك المكان.
- وأحوج عزيز مصر إِلَى أن يتخذه وزيرًا فكان له العظمة والرفعة والشأن، ثم أحوج إخوته للعودة إليه فكان له ما كان في ختام القصة، وقد قَالَ في آخرها: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[يوسف:101].
فاللهم أنت ولينا في الدنيا والآخرة أحينا مسلمين،
وتوفنا مسلمين، وألحقنا يارب بالصالحين.
تعليقات
إرسال تعليق