ادعو الله باسمه "النَّصير"
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله
أوقاتكم بالمسرات ..
* دعاء نبيّ الله نوح عليه السلام باسم الله "النَّصير".
- بعث الله نبيه نوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى قومه، فاجتهد كأشد ما يجتهد الأنبياء عليهم السلام في دعوة أقوامهم وهدايتهم إِلَى الإيمان بالله جَلَّ جَلَالُهُ.
- مكث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عامًا، ما ترك عَلَيْهِ السَّلَامُ سبيلًا ولا منهجًا إِلَّا سلكه.
- دعا قومه ليلًا ونهارًا، سرًّا وجهارًا، فما زادهم ذلك إلا فرارًا، كما حكى الله عنه.
- ولمَّا أَيِس، وتجاوزوا حدهم في الطغيان والتكذيب، والأذى والعناد، توسل بالنَّصير سُبْحَانَهُ.
- دعا ربه "أنَّي مَغلوبٌ فانتَصِر"{قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الشعراء:117-118].
- استجاب له النَّصير سُبْحَانَهُ، وسخر له جند السماء والأرض، قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}[القمر:11-12].
- كان المشهد في نهايته نصرًا عظيمًا؛ لأن النصير تكفل بنبيه عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ}[العنكبوت:14-15].
* المواضع التي تكرر فيها اسم الله "النَّصير" في القرآن الكريم.
- قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ * وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء:44-45].
- في أربع مراتٍ في القرآن الكريم جاء اسم ربنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النَّصير.
- ومع أن النَّصير صيغة مبالغة، بمعنى أن الله كثير النُّصرة سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لعباده المؤمنين، فإنها جاءت في القرآن مرتين مقترنةً بقوله سُبْحَانَهُ:
- - {وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء:45].
- - {وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان:31].
- وجاءت مرتين مقترنةً بالمدح المشتمل عَلَى كمال المعنى في قوله تعالى:
- - {وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الأنفال:40].
- - {وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الحجّ:78].
- فالله عَزَّ وَجَلَّ يتولى نُصرة عباده بهذه الصيغة الَّتِي تشتمل عَلَى المبالغة؛ المبالغة كمًّا وكيفًا، فمهما كثر العدو، وتنوعت وسائله، فيبقى الرَّبُّ النَّصير سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كافيًا عباده أهل الإيمان.
مع أن اسم النَّصير سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما جاء إِلَّا في تلك المرات الأربعة في القرآن الكريم، إِلَّا أنه جاء بالمصدر منسوبًا إِلَى الله، وبالفعل الَّذِي يحمل أيضًا معنى النُّصرة الَّتِي يتكفل الله عَزَّ وَجَلَّ بها لعباده، قال تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الروم:4-5].
* من معاني اسم الله "النَّصير".
- قد يتبادر إِلَى الذهن أن النَّصرة هنا هي النَّصر عَلَى الأعداء، بتمكين أهل الإيمان، وتثبيتهم، وكتابة الغلبة لهم عَلَى عدوهم، وهزيمة عدوهم في ميادين اللقاء، وفي ساحات المعارك، وعَلَى أرض الجهاد، نصرًا تتم به الفتوحات، ويؤسر به العدو، ويُغنم ما معه من سلاحٍ ومالٍ وعتاد، وَهذَا صحيح.
- لكن انحصار النَّصرة في هذَا المعنى تضييقٌ لمعنًى أوسع من ذلك بكثير.
- ألا إن نُصرة الله عَزَّ وَجَلَّ لعباده تكون بثبيت أقدامهم عَلَى مرضاته، عَلَى طاعته، بالثبات عَلَى الحق، وعدم التزحزح، أوالتراجع، أوالانعكاف للباطل، أوالاستجابة لمطالب الطغاة والمكذبين لله ورسله، المحاربين لدينه وأوليائه.
- نعم فثبات المؤمن عَلَى إيمانه، وتثبيت الله عَزَّ وَجَلَّ له، نصرٌ كريم من ربٍّ نصير سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
- قُتل أصحاب الأخدود، وحكى القرآن ذلك المشهد في إبادتهم وحرقهم عن آخرهم، فما بقي منهم أحد؛ لكن الله قَالَ:{ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}[البروج:11].
- كان فوزًا، والمحرقة الَّتِي كانت رغم ثباتهم عَلَى الحق، وإيمانهم، وعدم استجابتهم لضغوط الكفر والباطل، كانت نصرًا مؤزرًا.
* دعاء النَّبيّ صلى الله عليه وسلم باسم الله "النَّصير".
- في الحديث، أن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا غزا، قَالَ داعيًا متوسلًا مستنصرًا بربه النَّصير سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِك أَحُولُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ»، إنه يستنزل النَّصر بهذه الكلمات، متوسلًا بهذا الاسم العظيم النَّصير.
- وفي صلح الحديبية، لمَّا كان عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مع سائر الصحابة يعيش صدمة الموقف غير المتوقع؛ فقد جاؤوا محرمين بالعمرة، لكن قريشًا تعنتت وأبت، وفرضت في شروط الصلح أن يرجع النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وأصحابه معه ذلك العام، ولا يدخلوا مكة، عَلَى أن يعودوا بالعمرة في العام القادم.
- جاء عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ محاورًا، قائلًا: يا رسول الله ألست نبي الله حقًّا؟ قَالَ: بَلَى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ألسنا عَلَى الحق، وعدونا عَلَى الباطل؟ قَالَ: بَلَى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عمر: فعلام نعطي الدَّنيَّة في ديننا إذن؟، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي».
* ماذا يعني إيمانك باسم الله "النَّصير".
- النَّصير سُبْحَانَهُ يُلهم النفوس المؤمنة ثباتًا عَلَى الحق.
- النَّصير سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يجعل العبد مهما كانت أوضاعه في ضعفٍ، وظروفه في تراجعٍ، يجعله بثباته وقوته الَّتِي يمده بها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أكثر قوةً فينتصر.
- ينتصر أولًا عَلَى نفسه الأمارة بالسوء، عَلَى الهوى الَّذِي ينازعه في داخله، عَلَى الباطل الَّذِي يراوده، عَلَى شيطانه الَّذِي يؤزه نحو المعاصي والمنكرات أزًّا.
- ينتصر إذا ثبت عَلَى الحق، فكانت صولةً عَلَى شيطانه وهواه ونفسه الأمارة بالسوء.
- ينتصر عندئذٍ عَلَى الأعداء في ميادين اللقاء، وتكون الكلمة لله، وتُرفع راية الإسلام خفاقةً.
للنصر صورٌ شتى، والالتجاء إِلَى الرَّبِّ النَّصير مع استشعار هذَا المعنى، وَالتَّوَسُّل به في الدُّعَاء، واستنزال النَّصر من الله عَزَّ وَجَلَّ بأعلى مراتبه، وبأوسع مفاهيمه، يكتب لأهل الإيمان حياةً ملؤها السعادة والثقة والثبات، المنطلق من تعظيمٍ لربٍّ عظيمٍ نَصيرٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
تعليقات
إرسال تعليق