الصيام والسفر .. سؤال وجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد ..
أهلًا بكم متابعي مدونة -طريقك للجنة-، نتابع حديثنا عن الصِّيام؛ بعد أن تحدثنا في اللقاء السابق عن "السحور" في سؤال وجواب، نتحدث اليوم عن موضوع جديد وهو "الصيام والسفر".
* ما معنى كلمة السفر؟
- السفر مأخوذ من الإسفار، وهو البروز والظهور، ومنه السفور بالنسبة للمرأة التي تبرز شيئًا مما يجب تغطيته.
* ما الضابط الشرعي في تحديد السفر؟
- ما دام أن حدّ السفر لم يتم تحديده شرعًا في القرآن والسنة، ولا في اللغة العربية؛ فمرجع تحديده إلى أعراف الناس، وعلى هذا فلا يتحقق الوصف حتى يسافر الإنسان ويخرج عن البلد.
* ما الدليل الشرعي على رخصة عدم الصيام في السفر؟
- الدليل قوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أَخَرَ }[البقرة: ١٨٥].
* هل يجوز الصيام في السفر؟
- النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ كان يصوم في السفر إن كان لا يشق عليه.
* ما الأفضل للمسافر: الصيام أم الفطر؟
- إن كان الأيسر له الصوم فالأفضل الصيام، وإن كان الأيسر الإفطار فالأفضل له الإفطار، وإذا تساوي الأمران، فالأفضل الصيام.
* لماذا كان الصيام هو الأفضل إن لم يكن هناك تعب؟
- لأن هذا فعل النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ وسنته في السفر، وهو أسرع في إبراء الذمة وأهون على الإنسان، فإن القضاء يكون ثقيلًا على النفس.
* إن كنا في سفر فهل نحثّ على الصيام و الفطر؟
- نحثّ على التخيير، فإن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ أأصومُ في السفر؟ -وكان كثير الصيام- فقال: "إن شِئتَ فَصُم، وإن شِئتَ فَأفطِر" رواه البخاري.
* ما حكم الصيام في السفر إن كانت هناك مشقة؟
- إذا شق عليه الصوم فإنه يفطر ولابد، لأن النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ شكي إليه أن الناس قد شقّ عليهم الصيام، فأفطر، ثم قيل له: إن بعض الناس قد صام! فقال: «أولئك العُصاة، أولئك العُصاة». رواه مسلم
- وقال النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: "ليس من البرّ الصِّيام في السفر" متفق عليه، وسبب هذا القول أن النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ كان في سفر فرأى زحامًا ورجلًا قد ظُلِلَ عليه، فقال: «ما هذا؟ قالوا صائم، فقال: "ليس من البرّ الصِّيام في السفر".
* ما حكم السفر في رمضان من أجل الفطر؟
- يحرم فعل الحيل لإسقاط الواجب الشرعي، فمن سافر من أجل الفطر كان السفر حرامًا عليه، وكان الفطر كذلك حرامًا عليه، وتجب عليه التوبة إلى الله عز وجل، والرجوع عن سفره، وأن يصوم، فإن لم يرجع وجب عليه الصوم في السفر؛ لأن التحايل لإسقاط الواجب لا يسقطه، كما أن التحايل على المحرم لا يجعله مباحًا.
* هل يختلف حكم الصيام للمسافة القريبة عن البعيدة في السفر؟
- القضية مرجعها إلى مقدار تحمل الإنسان لمشاق السفر.
* من كان مع رفقة في السفر، فصام بعضهم وأفطر آخرون، فهل هناك من حرج في هذا؟
- لا حرج عليهم،
ومن السنة ألا يعيب بعضهم على بعض، قال أنس: "كنا نسافر مع أصحاب رسول الله صَلَى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ في رمضان، مِنّا الصائم ومِنّا المفطر، فلا يعيب هذا على
هذا، ولا هذا على هذا"
رواه البخاري.
* ما حكم صوم المسافر إن كان الصوم لا يشق عليه حيث في الوقت الحاضر تتوفر وسائل المواصلات الحديثة؟
- كان الصحابة رضي الله عنهم في سفرهم مع النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ، منهم الصائم ومنهم المفطر، فلا يعيب أي فرد على الآخر، ومن يرى أن هناك راحة مع وسائل النقل المعاصرة، فغيره يراها متعبة.
* بعض الناس يذهب إلى العمرة وهو صائم، ويشُقّ على نفسه أداؤها، فما حكم فعله؟
- الأفضل للمسافر هو الصيام ما لم يشق عليه فيكون الفطر له أفضل ليؤدي عمرته بيسر.
* هل الأفضل في حق المسافر الصائم أن يفطر ويؤدي العمرة من حين أن يصل؟ أو الأفضل أن يمسك ولا يؤدى العمرة إلا في الليل؟
- الأفضل الفطر وإداء العمرة نهارًا، لأن النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ كان إذا اعتمر بادر بأداء العمرة، حتى إنه صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ إذا كان العمرة لا يُنيخ بَعِيرَه إلا عند باب المسجد ليؤدي عمرته.
* ما الكفارة على المسافر إن كان صائمًا، ثم جامع زوجته في نهار رمضان؟
- عليه فقط قضاء هذا اليوم.
* من شرع في الصيام في الحضر، ثم طرأ عليه السفر، فهل له أن يفطر؟
- له أن يفطر؛ لأنه تلبس بالسفر، والسبب قائم به.
* المسافر بالطائرة .. هل يفطر حينما يرى اختفاء قرص الشمس، أم يفطر على توقيت أهل البلد تحته؟
- يفطر حين يغيب القرص ، لقول النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: "إذا أقبل الليل من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" متفق عليه.
* لو كان هناك غيم، وأفطر الصائم خطأ، فماذا عليه؟
- عليه أن يسأل، فلو أخطأ بعد ذلك فلا شيء عليه؛ لأن النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ أفطر ذات يــوم هــو وأصحابه بالمدينة، وفي يوم غيم، ثم طلعت الشمس بعد إفطارهم، ولم يأمرهم بالقضاء. رواه البخاري.
* في شهر رمضان يكون إقلاع بعض الرحلات وقت أذان المغرب فيفطر الصائم وهو على الأرض، وبعد الإقلاع عن مستوى الأرض يشاهد قرص الشمس ظاهرًا، فهل يمسك أم يكمل إفطاره؟
- عليه أن يكمل إفطاره، ولا يمسك مرة ثانية؛ لأنه قد أفطر بمقتضي الدليل الشرعي، لقوله تعالى: {ثُمَّ أموا الصِّيَامَ إلى الليل}[البقرة: ۱۸۷] وقول النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: "إذا أقبل الليل من هاهنا، وأشار إلى المشرق، وأدبر النهار من هاهنا، وأشار إلى المغرب، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم".
* إذا تنقل الإنسان في سفره إلى أكثر من بلدة، فهل رخصة الفطر للسفر مستمرة معه ؟
- نعم؛ لأنه لم ينقطع في حقه حكم السفر، فيجوز له الفطر في رمضان، وإن بقي جميع الشهر خارج بلده.
* إذا وصل المسافر إلى بلده وكان مفطرًا، فهل يلزمه الإمساك؟
- لا يجب عليه الإمساك، فله أن يأكل ويشرب بقية يومه؛ لأن إمساكه لا يفيده شيئًا لوجوب قضاء هذا اليوم عليه، لكن ينبغي له أن لا يأكل ويشرب عَلنًا.
* إذا تم الإعلان عن رؤية هلال العيد في بلد، ثم سافر الإنسان في تلك الليلة إلى بلد آخر حوالي الساعة الثانية ليلًا، وعلم أنهم لم يروا هلال شوال، وبالتالي فهم صائمون، فهل يصوم معهم؟
- عليه أن يصوم معهم؛ لأنه وقت الإمساك في البلد الجديد، حتى لو زاد صيامه علی شهر، فالزائد تبع كما أنه لو صام في بلده إلى قريب المغرب، ثم أقلعت الطائرة إلى أمريكا، وطالت رؤيته للشمس أكثر من اليوم؛ فإن الصائم لا يفطر حتى تغيب الشمس، وذلك خروج الشهر وإن صام ثلاثين يومًا، ثم سافر إلى بلد فوجد شهر شوال لم يدخل فيصم معهم، وصومه هذا للتبعية ، لقول النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: "الصوم يوم يصومون، والفطر يوم يفطرون، والأضحى يوم يضحون".
* إذا بدأ المسلم الصوم في بلده، ثم سافر إلى بلد في شرق آسيا في شهر رمضان حيث يتأخر الشهر الهجري هناك يومًا، فهل يصوم واحدًا وثلاثين يومًا؟ وإن صاموا تسعة وعشرين يوما فهل يفطر أم لا؟
- إذا سافر الإنسان من بلد صام فيها أول الشهر إلى بلد تأخر عندهم الفطر، فإنه يظل لا يفطر حتى يفطروا، ونظير هذا لو سافر في يومه إلى بلد يتأخر فيه غروب الشمس؛ فإنه يظل صائمًا حتى تغرب الشمس ولو بلغ عشرين ساعة، إلا إن أفطر من أجل السفر فله ذلك من أجل السفر، والله أعلم.
* ما الحالات التي يمكن ضرب المثال بها لاختلاف رؤية الهلال مع حساب شهر الصيام؟
- - المثال الأول: إن انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد، إلى بلد صام أهله يوم السبت، وأفطروا يوم الأحد عن تسعة وعشرين يومًا، فعليه أن يفطر معهم ويلزمه قضاء يوم.
- ودليل وجوب فطره، أنه رؤي الهلال، وقد قال النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «إذا رأيتموه فأفطروا» ودليل وجوب قضاء اليوم قول النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «إنما الشهر تسع وعشرون فلا يمكن أن ينقص عن تسع وعشرين يومًا».
- - المثال الثاني: إن انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد إلى بلد صام أهله يوم الاثنين، وأفطروا يوم الأربعاء عن ثلاثين يومًا، فيبقى صائمًا معهم؛ ولو زاد على ثلاثين يومًا؛ لأنه في مكان لم يــر الهلال فيه، فلا يحل له الفطر، ويشبه هذا ما لو سافر صائماً من بلد تغيب فيه الشمس الساعة السادسة إلى بلد لا تغيب فيه إلا الساعة السابعة، فإنه لا يفطر حتى تغيب الشمس في الساعة السابعة، لقوله تعالى: {ثُمّ أتِمُوا الصِّيَامَ إلى اللَّيلِ}.
- ودليل وجوب بقائه صائمـًا فـوق الثلاثين، قول النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: "إذا رأيتموه فأفطروا" فعلق الفطر بالرؤية، ولم تكن فيكون ذلك اليوم من رمضان في ذلك المكان فلا يحل فطره.
- - المثال الثالث: إن انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد إلى بلد صام أهله يوم الاثنين، وأفطروا يوم الثلاثاء عن تسعة وعشرين يومًا، فيفطر معهم ويكون صومهم تسعة وعشرين يومًا، وصومه ثلاثين يومًا. المثال الرابع: إن انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد، وأفطروا يوم الثلاثاء عن ثلاثين يومًا إلى بلد صام أهله يوم الأحد، وأفطروا يوم الاثنين عن تسعة وعشرين يومًا، فيفطر معهم، ولا يلزمه قضاء يوم؛ لأنه أتم تسعة وعشرين يومًا.
* ماذا يفعل المسلم إن سافر من الكويت إلى باكستان ونزل فيها، وأهل باكستان لم يروا الهلال، وأهل الكويت ثبت عندهم رؤية هلال شوال؟
- في هذه الحالة يبقى صائمًا؛ لأنه في مكان لم ير فيه الهلال والنَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ يقول: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته" ، فلو فرض أنه رجع في اليوم نفسه فله أن يفطر، والعكس إذا ذهبنا إلى الغرب ونزلنا في بلد رأوا هلال رمضان ولم ير في الكويت فإننا نصوم؛ لأن المكان رؤي فيه الهلال؛ لأن الله تعالى قال: {فَمَن شَهِدَ منكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ...} وقال النَّبيّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: "إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا"، فالعبرة بمكانك الذي أنت فيه، فمتى ما رؤي الهلال فاعمل به إفطارًا وصومًا.
* ماذا يفعل المسلم في البلاد الغير مسلمة؟
- أما في البلاد الكافرة إذا رآه المسلم فيصوم معهم، وفي الحقيقة هو مسافر وله أن يفطر، وليُعلم أن الهلال إذا رؤي في الكويت مثلًا فسيرى في أمريكا قطعًا؛ لأن البلاد الشرقية ترى الهلال قبل البلاد الغربية، والعكس إذا كان الإنسان في الباكستان أو اليابان وما أشبه ذلك.
* هل على الصائم شيء إذا كان بسبب تنقله من بلد إلى بلد أنه صام رمضان ثمان وعشرين يومًا؟
- عليه أن يأتي بيوم واحد فقط تكملة لشهر رمضان.
* هل الأفضل للمسلم أن يفطر في سفره ليبتعد عن مثل هذا الإشكال؟
- نعم، وبما أنه مسافر فله أن يفطر.
* كيف يصوم من كان سفره مستمرًا، مثل أصحاب الشاحنات؟
- سائق الشاحنة مادام مسافرًا فلــه أن يترخص بجميع رخص السفر من القصر والجمع، والفطر في رمضان، وغيرها من أحكام.
* هل الحكم في الرخصة مستمرة طوال سفرهم؟
- مادام له مكان وأهل يأوي إليهم، فهو إذا فارق هذا المكان وأولئك الأهل فهو مسافر، وعلى هذا فيجوز له أن يفعل ما يفعله المسافرون، والله تعالى قد أطلق في الآية فقال: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، ولم يقيده بشيء، فما أطلقه الله تعالى ورسوله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ فإنه يجب العمل بمطلقه.
تقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
تعليقات
إرسال تعليق