فضائل المدينة المنورة
للشيخ الدكتور عَبْد المُحْسِن بِنْ مَحَمَّد القَاسِم
بسم الله الحمن الرحيم
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:
* فَضْلُ المَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ.
- المَدِينَةُ النَّبَوِيَّةُ ذَاتُ مَكَانَةٍ وَمَنْزِلَةٍ عَالِيَةٍ، شَرَّفَهَا اللَّهُ وَفَضَّلَهَا، وَجَعَلَهَا خَيْرَ البِقَاعِ بَعْدَ مَكَّةَ، فَهِيَ دَارُ الوَحْيِ، وَمَهْبِطُ المَلَائِكَةِ بِالهُدَى وَالرَّحْمَةِ، وَكُلٌّ خَيْرٍ حَصَلَ لِأَهْلِ الأَرْضِ فَإِنَّمَا خَرَجَ مِنْ هَذِهِ المَدِينَةِ المُبَارَكَةِ.
- كَمَا حَصَلَ ذَلِكَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ وَالصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهُم، وَتَفْضِيلُ المَدِينَةِ إِنَّمَا هُوَ بِمَا خَصَّهَا اللَّهُ بِهِ مِنْ مَعَالِمِ الدِّينِ، وَمِمَّا خَصَّ اللَّهُ المَدِينَةَ مَا يَلِي:
* أَوَّلاً: الفَضَائِلُ الإِيمَانِيَّةُ.
وَيَتَمَثَلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
۱- مَحَبَّةُ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ لَهَا:
- كَانَ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ يُحِبُّ بَلَدَهُ مَكَّةَ حُبّاً جَمّاً، كَمَا قَالَ عَنْهَا: «مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ» رَوَاهُ التَّرْمِذِيُّ.
- ثُمَّ هَاجَرَ مِنْهَا إِلَى المَدِينَةِ وَدَعَا رَبَّهُ أَنْ يُحَبِّبَ إِلَيْهِ المَدِينَةَ كَحُبِّهِ مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ؛ فَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ، فَأَحَبَّ المَدِينَةَ كَثِيراً، فَكَانَ إِذَا فَارَقَهَا لِسَفَرٍ ثُمَّ رَأَى بُيُوتَهَا أَسْرَعَ فِي المَشْيِ إِلَيْهَا مَحَبَّةٌ لَهَا.
- قَالَ أَنَسٌ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ المَدِينَةِ أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ -أَيْ: أَسْرَعَ المَسِيرَ-، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا» رَوَاهُ البُخَارِيُّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ لَّهُ: «وَكُلُّ مُؤْمِنٍ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ سَائِقٌ إِلَى المَدِينَةِ لِمَحَبَّتِهِ فِي النَّبِيِّ» [فتح الباري].
۲ مُضَاعَفَةُ أَجْرِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ:
- مِنْ فَضَائِلِ المَدِينَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، وَلَا يَفْضُلُ عَلَيْهِ فِي المُضَاعَفَةِ سِوَى المَسْجِدِ الحَرَامِ.
٣- الإِيمَانُ يَأْرِزُ إِلَيْهَا:
- اخْتَارَ اللَّهُ المَدِينَةَ لِتَكُونَ مَوْطِنَ الإِيمَانِ ابْتِدَاءً وَمَالاً، فَفِي مَهْدِ الإِسْلَام كَانَتْ مَوْطِنَ الإِيمَانِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} ، وَسَوْفَ يَعُودُ الإِيمَانُ إِلَيْهَا كَمَا بَدَأَ مِنْهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ -أَيْ: يَرْجِعُ- إِلَى المَدِينَةِ، كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا -أَيْ: كَمَا تَرْجِعُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا إِذَا رَاعَهَا شَيْءٌ، ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ أَنْ تَأْمَنَ-» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
٤- تَأْكُلُ القُرَى:
- وَصَفَهَا النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ بِأَنَّهَا تَأْكُلُ القُرَى، فَقَالَ: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ -أَيْ: -بِالهِجْرَةِ إِلَى قَرْيَةِ- تَأْكُلُ القُرَى، يَقُولُونَ: يَثْرِبُ، وَهِيَ المَدِينَةُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَمَعْنَى «تَأْكُلُ القُرَى» أَيْ: تَكُونُ الغَلَبَةُ لَهَا عَلَى القُرَى، وَقِيلَ المَعْنَى: أَنَّهَا تُجْلَبُ إِلَيْهَا الغَنَائِمُ.
- وَكِلَا هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ مُتَلَازِمَانِ وَقَدْ وَقَعًا، فَقَدْ حَصَلَ تَغَلُّبُ هَذِهِ المَدِينَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ المُدُنِ؛ بِأَنِ انْطَلَقَ مِنْهَا الدُّعَاةُ وَالغُزَاةُ الفَاتِحُونَ وَأَخْرَجُوا النَّاسَ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ رَحِمَهُ اللَّهِ: «مِنَ المَدِينَةِ افْتُتِحَتِ المَدَائِنُ كُلُّهَا» [التمهيد].
- وَكَذَلِكَ أَيْضاً حَصَلَ أَخْذُ الغَنَائِمِ، وَأُتِيَ بِهَا إِلَى المَدِينَةِ كَكُنُوزِ لله كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَقَسَمَهَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ .
* ثَانِياً: أَنَّهَا بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ.
وَكَمَا أَنَّهَا بَلَدُ الإِيمَانِ؛ فَهِيَ طَيِّبَةٌ تَطْرُدُ الخَبَثَ وَأَهْلَهُ مِنْهَا، وَيَتَمَثَلُ ذلك فيما يلي:
۱- تَنْفِي الذُّنُوبَ:
- خَصَّ اللَّهُ المَدِينَةَ بِأَنَّهَا تَنْفِي الذُّنُوبَ -أَيْ: تَحُطُّهَا؛ إِمَّا لِمَا يَقَعُ لِلْعَبْدِ فِيهَا مِن ابْتِلَاءِ، أَوْ لِفَضِيلَتِهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «إِنَّهَا طَيْبَةُ؛ تَنْفِي الذُّنُوبَ، كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الفِضَّةِ -أَيْ: وَسَخَهُ وَرَدِينَهُ-» رَوَاهُ البخاري.
٢- تَنْفِي الخَبِيثَ مِنَ النَّاسِ:
- جَعَلَ اللَّهُ المَدِينَةَ طَيِّبَةٌ، وَمَنْ كَانَ خَبِيثَاً فَإِنَّ الْمَدِينَةَ تَنْفِيهِ مِنْهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «تَنْفِي النَّاسَ -أَيْ خَبِيثَهُمْ، كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدَِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِم: «تُخْرِجُ الخَبِيثَ».
- وَشَبَّهَهَا النَّبِيُّ الا بِالكِيرِ فِي قُوَّةِ نَفْيِهَا لِلْخَبَثِ؛ فَقَالَ: «المَدِينَةُ كَالكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا ، وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
٣ - طَيِّبُهَا يَنْصَعُ:
- السَّاكِنُ فِيهَا وَهُوَ عَلَى الإِيمَانِ وَالصَّلَاح يَنْصَعُ ذِكْرُهُ وَعَمَلُهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ: يَصْفُو وَيَخْلُصُ وَيَتَمَيَّزُه. [شرح صحيح مسلم].
- وَكَمَا أَنَّ العُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ فِيهَا يَنْصَعُونَ، فَكَذَلِكَ الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ فِيهَا تَنْصَعُ وَتَظْهَرُ لِلنَّاسِ.
* ثَالِثاً: حُلُولُ الأَمْنِ فِيهَا.
وَيَتَمَثَلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
۱- أَنَّهَا بَلَدٌ آمِنٌ:
- جَعَلَ اللهُ المَدِينَةَ بَلَداً آمِنًا؛ لِتُقَامَ فِيهَا شَعَائِرُ الإِسْلَام، ويَنْتَشِرَ مِنْهَا الدِّينُ، قَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: «أَهْوَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى المَدِينَةِ، فَقَالَ: إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالأَمْنُ فِيهَا يَظْهَرُ فِي عِدَّةِ أمورٍ:
- - مَنْ أَرَادَ مَدِينَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ بِسُوءٍ أَهْلَكَهُ اللهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «مَنْ أَرَادَهَا بِسُوءٍ ؛ أَذَابَهُ اللَّهُ ، كَمَا يَذُوبُ المِلْحُ فِي المَاءِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
- - مَنْ أَخَافَ سَاكِنِيهَا أَخَافَهُ اللَّهُ وَتَوَعَّدَهُ بِاللَّعْنَةِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «مَنْ أَخَافَ أَهْلَ المَدِينَةِ ظَالِمًا لَهُمْ؛ أَخَافَهُ اللَّهُ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ -أَيْ: فَرِيضَةٌ، وَلَا عَدْلٌ -أَيْ: نَافِلَةٌ-» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
- - مَنْ مَكَرَ بِأَهْلِ المَدِينَةِ وَكَادَهُمْ بِسُوءٍ أَهْلَكَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يُمْهِلْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «لَا يَكِيدُ أَهْلَ المَدِينَةِ أَحَدٌ، إِلَّا أَنْمَاعَ -أَيْ: ذَابَ- كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
- - مَنْ أَرَادَ أَهْلَهَا بِسُوءٍ تَوَعَّدَهُ اللَّهُ فِي الآخِرَةِ بِالعَذَابِ الشَّدِيدِ فِي النَّارِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «لَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ المَدِينَةِ بِسُوءٍ؛ إِلَّا أَذَابَهُ اللَّهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ، أَوْ ذَوْبَ المِلْحِ فِي المَاءِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
٢- المَدِينَةُ حَرَمٌ:
- جَعَلَ اللَّهُ مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ حَرَماً، وَمَعْنَى كَوْنِهِمَا حَرَماً أَيْ: أَنَّ هُنَاكَ أَشْيَاءَ مُبَاحَةً يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي البُلْدَانِ؛ وَلَكِنْ فِي مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ مُحَرَّمُ فِعْلُهَا، أَوْ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فِي البُلْدَانِ وَفِي مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ تَحْرِيمُهَا أَشَدُّ.
- وَلَيْسَ فِي بِقَاعِ الأَرْضِ حَرَمٌ سِوَى مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ؛ فَلَا يُقَالُ لِلْمَسْجِدِ الأَقْصَى ثَالِثُ الحَرَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَمِ.
- وَسَبَبُ تَحْرِيم بَعْضِ الأَشْيَاءِ فِي مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ: لِمَكَانَتِهِمَا عِنْدَ اللَّهِ، فَإِبْرَاهِيمُ حَرَّمَ مَكَّةَ وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ المَدِينَةَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
* وَحُدُودُ حَرَمِ المَدِينَةِ مَا يَلِي:
- شِمَالاً: جَبَلُ ثَوْرٍ، وَجَنُوباً: جَبَلُ عَيْرِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «المَدِينَةُ حَرَمُ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَشَرْقاً وَغَرْباً: اللَّابَتَانِ -وَهُمَا: الحَرَّتَانِ-، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «إِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
* وَالأَحْكَامُ المُتَرَتِّبَةُ عَلَى كَوْنِ الْمَدِينَةِ حَرَماً هِيَ:
- - القَتْلُ بِغَيْرِ حَقٌّ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ، وَلَكِنَّهُ فِي حَرَم المَدِينَةِ أَشَدُّ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «لَا يُهَرَاقُ فِيهَا دَم» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- - لَا يُحْمَلُ فِيهَا سِلَاحُ لِقِتَالٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سلَاحٌ لِقِتَالٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- - لَا يُصَادُ صَيْدُهَا -مِثْلُ الحَمَام-، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالمُرَادُ بِالصَّيْدِ: هُوَ الحَيَوَانُ المَأْكُولُ، البَرِّيُّ، المُتَوَحْشُ بِطَبْعِهِ -أَيْ لَا يَأْلَفُ الإِنْسَانَ؛ بَلْ يَهْرُبُ مِنْهُ -.
- - لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا - وَهُوَ كُلُّ شَجَرٍ فِيهِ شَوْكٌ-» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالمُرَادُ بِالشَّجَرِ الَّذِي يَحْرُمُ قَطْعُهُ: هُوَ الَّذِي نَبَتَ بِنَفْسِهِ ، أَمَّا مَا زَرَعَهُ النَّاسُ وَغَرَسُوهُ فَإِنَّ لَهُمْ قَطْعَهُ.
- - لَا تُخْبَطُ فِيهَا شَجَرَةٌ -أَيْ: لَا تُضْرَبُ فِيهَا شَجَرَةٌ لِيَتَسَاقَط أَوْرَاقُهَا- إِلَّا لِعَلْفٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «وَلَا تُخْبَطُ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلَّا لِعَلْفٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- - تَحْرِيمُ إِحْدَاثِ البِدَعِ فِيهَا، وَتَحْرِيمُ إِيوَاءِ مُبْتَدِعِ أَوْ جَانٍ فِيهَا؛ وَهَذَانِ الأَمْرَانِ مُحَرَّمَانِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَلَكِنَّهُمَا فِي المَدِينَةِ أَشَدُّ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً، أَوْ آوَى مُحْدِثاً؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
٣- حَفِظَهَا اللَّهُ مِنَ الدَّجَّالِ وَرُعْبِهِ:
- فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَخْرُجُ المَسِيحُ الدَّجَّالُ، وَيَطُوفُ فِي البُلْدَانِ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ، فَيُصَدِّقُهُ الكُفَّارُ لِمَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَعَهُ مِنْ أُمُور خَارِقَة.
- وَإِذَا سَمِعَ النَّاسُ بِهِ يَخَافُونَ مِنْهُ وَيَهْرُبُونَ إِلَى الجِبَالِ، إِلَّا المَدِينَةَ فَإِنَّ رُعْبَهُ لَا يَدْخُلُهَا ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «لَا يَدْخُلُ المَدِينَةَ رُعْبُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
- وَمِنْ حِفْظِ اللَّهِ لِلْمَدِينَةِ: أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَى الدَّجَّالِ دُخُولَهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «يَأْتِي الدَّجَّالُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
- وَيَسْعَى الدَّجَّالُ إِلَى دُخُولَ المَدِينَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَحْرُسُهَا بمَلَائِكَةٍ مَعَهُمْ سُيُوفٌ يَصُدُّونَهُ عَنْهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ إِخْبَاراً عَنِ الدَّجَّالِ أَنَّهُ قَالَ: «وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ، فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ، فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتاً، يَصُدُّنِي عَنْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
٤- لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ:
- حَفِظَ اللَّهُ المَدِينَةَ مِنْ مَرَضِ الطَّاعُونِ -وَهُوَ مُهْلِكُ شَدِيدُ العَدْوَى-، فَجَعَلَ عَلَى كُلِّ طَرِيقِ مِنْ طُرُقِهَا مَلَائِكَةً يَمْنَعُونَ دُخُولَ الطَّاعُونِ إِلَيْهَا ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ، وَلَا الدَّجَّالُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
٥- مَلَائِكَةٌ تَحْرُسُهَا:
- مِنْ أَمْنِ المَدِينَةِ أَنَّ اللَّهَ تَكَرَّمَ بِمَلَائِكَةٍ تَحْرُسُهَا مِنَ الدَّجَّالِ، فَجَمِيعُ طرُقِهَا مَحْرُوسَةٌ بِهِمْ مِنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ -أَيْ: طُرُقِهَا وَمَدَاخِلِهَا- مَلَائِكَةٌ يَحْرُسُونَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- بَلْ مَحْرُوسَةٌ بِالمَلَائِكَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ، فَيَجِدُ المَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ النَّوَوِيُّ تعلقه: فِيهِ بَيَانُ كَثْرَةِ الحُرَّاسِ وَاسْتِيعَابِهِمُ الشَّعَابَ»[شرح صحيح مسلم] .
٦- المَدِينَةُ لَا وَبَاءَ فِيهَا:
- كَانَتِ المَدِينَةُ النَّبَوِيَّةُ ذَاتَ أَوْدِيَةٍ وَتَكْثُرُ فِيهَا الأَوْبِئَةُ، وَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ وَصَحَابَتُهُ إِلَيْهَا أَصَابَتْهُمُ الحُمَّى، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ أَلَّا يَكُونَ فِيهَا وَبَاءُ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ صَحْحْهَا لَنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- قَالَ ابْنُ حَجَرٍ للَّه: فَعَادَتِ المَدِينَةُ أَصَحَ بِلَادِ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ بِخِلَافِ ذَلِكَ» [فتح الباري].
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
تعليقات
إرسال تعليق