فضل سُكنى المدينة المنورة وأشهر المعالِم فيها
للشيخ الدكتور عَبْد المُحْسِن بِنْ مَحَمَّد القَاسِم
بسم الله الحمن الرحيمالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:
* فضل سُكنى المدينة وأشهر المعالِم فيها.
* رَابِعًا: شَرَفُ سُكْنَاهَا.
مِنْ فَضَائِلِ المَدِينَةِ شَرَفُ سُكْنَاهَا ، وَيَتَمَثَّلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي :
۱ - فَضْلُ سُكْنَاهَا:
- المَدِينَةُ النَّبَوِيَّةُ بَلَدٌ مُبَارَكٌ، وَالسُّكْنَى فِيهَا أَفْضَلُ مِنَ السُّكْنَى فِي غَيْرِهَا؛ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا أَرْغَدَ عَيْشًا، وَقَدْ رَغْبَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ فِي سُكْنَاهَا بِقَوْلِهِ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ، هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- وَمَنْ سَكَنَهَا وَهُوَ عَلَى الإِيمَانِ وَالصَّلَاح أَظْهَرَ اللَّهُ طِيبَهُ فِي الْآفَاقِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَمَنْ تَرَكَهَا كَارِها لَهَا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةٌ عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْه» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- وَإِذَا كَانَ نَفْعُ المُسْلِم فِي غَيْرِ المَدِينَةِ مُتَعَدِّيًا -كَمَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا لِلدَّعْوَةِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ـ؛ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الخُرُوج مِنْهَا، فَالنَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ بَعَثَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ - كَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ الله - خَارِجَ المَدِينَةِ لِلدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ.
-
وَالبُقْعَةُ الَّتِي يَكُونُ العَبْدُ فِيهَا أَتْقَى لِلَّهِ هِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ، قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ رحمه الله: «الإِقَامَةُ فِي كُلِّ مَوْضِعِ تَكُونُ الأَسْبَابُ فِيهِ أَطْوَعَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَفْعَلَ لِلْحَسَنَاتِ وَالخَيْرِ بِحَيْثُ يَكُونُ أَعْلَمَ بِذَلِكَ وَأَقْدَرَ عَلَيْهِ وَأَنْشَطَ لَهُ؛ أَفْضَلُ مِنَ الإِقَامَةِ فِي مَوْضِعِ يَكُونُ حَالُهُ فِيهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ دُونَ ذَلِك» [فتاوی شيخ الإسلام].
۲ - الصَّبْرُ عَلَى شَدَائِدِهَا سَبَبُ نَيْلِ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ شَهَادَتِهِ.
- الحَيَاةُ شَدِيدَةُ المَشَاقٌ، وَابْتِلَاءَاتُهَا مُتَتَابِعَةٌ، وَاللَّهُ أَمَرَ بِالصَّبْرِ عَلَى المَصَائِبِ، وَوَعَدَ بِأَنَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَأَنَّ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
- وَخَصَّ اللهُ المَدِينَةَ بِأَنَّ مَنْ يَصْبِرُ عَلَى مَا يُلاقِيهِ فِيهَا مِنَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ فَإِنَّهُ مَوْعُودٌ مَعَ الثَّوَابِ العَظِيمِ بِشَفَاعَةِ أَوْ شَهَادَةِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ.
- جَاءَ أَبُو سَعِيدٍ -مَوْلَى المَهْرِي- إِلَى أَبِي سَعِيدِ الخُدْرِيِّ له لَيَالِي الحَرَّةِ، فَاسْتَشَارَهُ فِي الجَلَاءِ مِنَ المَدِينَةِ -أَي: الانْتِقَالِ مِنْهَا-، وَشَكَا إِلَيْهِ أَسْعَارَهَا وَكَثْرَةَ عِبَالِهِ، وَأَخْبَرَهُ أَلَّا صَبْرَ لَهُ عَلَى جَهْدِ المَدِينَةِ وَلَأَوَائِهَا، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ لَا آمُرُكَ بِذَلِكَ، أَلْزَمِ المَدِينَةَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ يَقُولُ: «لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأَوَائِهَا، فَيَمُوتَ؛ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ القِيَامَةِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- فَمَنْ حَصَلَ لَهُ بَلَاءٌ فِي المَدِينَةِ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَلَّا يَنْتَقِلَ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا مِنَ البُلْدَانِ بَحْثاً عَن الرَّخَاءِ وَالسَّعَةِ؛ بَلْ يَصْبُرُ عَلَى مَا يَحْصُلُ لَهُ فِيهَا، وَقَدْ وُعِدَ بِهَذَا الأَجْرِ العَظِيمِ وَالثَّوَابِ الجَزِيلِ مِنَ اللَّهِ.
* خَامِسًا: بَرَكَتُهَا.
وَالبَرَكَةُ فِيهَا أَنْوَاعٌ:
١ - بَرَكَةٌ عَامَّةٌ.
البَرَكَةُ لَا تَكُونُ فِي قَلِيلٍ إِلَّا كَثَّرَتْهُ، وَلَا فِي كَثِيرٍ إِلَّا زَادَتْ فِي نَفْعِهِ، وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ بِالبَرَكَةِ فِي المَدِينَةِ، وَتَمَثَّلَ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
- - دَعَا أَنْ تَكُونَ المَدِينَةُ مُبَارَكَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- - دَعَا أَنْ تَكُونَ مَعَ البَرَكَةِ بَرَكَتَانِ، فَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَعَ البَرَكَةِ بَرَكَتَيْن» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- - دَعَا أَنْ تَكُونَ البَرَكَةُ فِيهَا ضِعْفَيْ مَا فِي مَكَّةَ، فَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «اللَّهُمَّ أَجْعَلْ بِالمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا بِمَكَّةَ مِنَ البَرَكَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
۲ - بَرَكَةُ طَعَامِهَا.
- - البَرَكَةُ فِي صَاعِهَا وَمُدْهَا أي: البَرَكَةُ فِي طَعَامِهَا، فَالطَّعَامُ القَلِيلُ يَكْفِي الكَثِيرَ وَيَكْثُرُ نَفْعُهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- قَالَ النَّوَوِيُّ الله: «الظَّاهِرُ: أَنَّ البَرَكَةَ حَصَلَتْ فِي نَفْسِ الكَيْل، بِحَيْثُ يَكْفِي المُدُّ فِيهَا مَا لَا يَكْفِيهِ فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ مَحْسُوس عِنْدَ مَنْ سَكَنَهَا» [شرح صحيح مسلم].
- - البَرَكَةُ فِي ثَمَرِهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَثِمَارُ المَدِينَةِ وَمَا تُنْتِجُهُ زُرُوعُهَا مُبَارَكَةٌ.
* سَادِسًَا: تَمْرُهَا.
لِشَرَفِ المَدِينَةِ فَضَّلَ اللَّهُ تَمْرَهَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ تُمُورِ البُلْدَانِ، وَتَمْرُ المَدِينَةِ بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِب:
* المَرْتَبَةُ الأُولَى:
- تَمْرُ عَجْوَةِ العَالِيَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ التَّمُور.
- وَمَكَانُهُ: العَالِيَةُ؛ وَهِيَ أَرْضُ تَفَعُ جَنُوبَ شَرْقِ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَتَبْعُدُ عَنْهُ قُرَابَةَ خَمْسَةِ كِيلُو مِتْرَاتٍ بِالقُرْبِ مِنْ مَسْجِدِ قُبَاء.
- وَفَضْلُهُ: شِفَاءٌ مِنَ الأَمْرَاض -بإِذْنِ اللَّهِ-، كَمَا أَنَّ العَسَلَ وَالحَبَّةَ السَّوْدَاءَ وَزَمْزَمَ شِفَاءٌ.
- وَطَرِيقَةُ اسْتِخْدَامِهِ: يُؤْكَلُ صَبَاحاً عَلَى الرِّيقِ، مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدِ عَدَدٍ، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ تَمْرَةً أَوْ أَكْثَرَ.
- قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «إِنَّ فِي عَجْوَةِ العَالِيَةِ شِفَاءٌ، أَوْ إِنَّهَا نِرْيَاقٌ أَيْ: دَوَاءٌ لِلسُّمِّ ـأَوَّلَ البُكْرَةِ- أَيْ: يُؤْكَلُ صَبَاحًا عَلَى الرِّيقِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
* المَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: عَجْوَةُ المَدِينَةِ عُمُومًا .
- وَفَضْلُهُ: يَمْنَعُ السُّمَّ وَالسِّحْرَ -بِإِذْنِ اللَّهِ-
- وَطَرِيقَةُ اسْتِخْدَامِهِ: يُؤْكَلُ مِنْهُ صَبَاحًا عَلَى الرِّيقِ سَبْعُ تَمَرَاتٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً؛ لَمْ يَضُرُّهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ سُمَّ وَلَا سِحْرٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
* المَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: أَيُّ نَوْعِ مِنْ أَنْوَاعِ التَّمْرِ فِي المَدِينَةِ.
- وَفَضْلُهُ: يَمْنَعُ السُّمَّ ـبِإِذْنِ اللَّهِ-
- وَطَرِيقَةُ اسْتِخْدَامِهِ: يُؤْكَلُ مِنْهُ صَبَاحًا عَلَى الرِّيقِ سَبْعُ تَمَرَاتٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِمَّا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حِينَ يُصْبِحُ؛ لَمْ يَضُرُّهُ سُمٌ حَتَّى يُمْسِي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
* سَابِعًا: مَعَالِمُ فِيهَا.
۱ - المَسْجِدُ النَّبَوِيُّ: وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ .
۲ - مَسْجِدُ قُبَاءٍ: وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ.
٣ - جَبَلُ أَحدٍ.
- جَبَلُ أَحُدٍ يَقَعُ شَمَالَ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَسُمِّيَ أَحَداً لِتَوَحُدِهِ بَيْنَ الجِبَالِ، فَلَيْسَ مُلْتَصِقاً بِجِبَالٍ أُخْرَى.
- وَهُوَ الجَبَلُ الَّذِي وَقَعَتْ عِنْدَهُ غَزْوَةُ أَحدٍ، وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ أَنَّ المُسْلِمِينَ يُحِبُّونَ جَبَلَ أُحُدٍ وَجَبَلَ أَحَدٍ يُحِبُّهُمْ، قَالَ أَنَس له: بَدَا لِلنَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ أَحَدٌ ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: "وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: يُحِبُّنَا هُوَ بنَفْسِهِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ تَمْيِيزا، وَمَحَبَّةُ جَبَل أُحُدٍ تَكُونُ بِالقَلْبِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ بَرَكَةٍ فِيهِ، أَوْ تَمَسُّحِ بِأَحْجَارِهِ. وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْ جِبَالِ الجَنَّةِ".
٤ - وَادِي العَقِيقِ.
- وَهُوَ وَادٍ يَمْتَدُّ مِنْ جَنُوبِ المَدِينَةِ إِلَى شَمَالِهَا، وَعَلَيْهِ مِيقَاتُ ذِي الحُلَيْفَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ بأَنَّ هَذَا الوَادِي وَادٍ مُبَارَكٌ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ-بِوَادِي العَقِيقِ- يَقُولُ: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ مِنْ رَبِّي آتٍ - وَهُوَ جَبْرِيلُ، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّه» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
- وَقَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ المَبِيتُ فِيهِ لَمَّا خَرَجَ مِنَ المَدِينَةِ قَاصِداً الحَجَّ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ لها: «أُرِيَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ أَيْ: فِي مَنَامِهِ -وَهُوَ فِي مُعَرَّسِهِ- أَيْ: لَمَّا نَزَلَ آخِرَ اللَّيْلِ فِي وَادِي العَقِيقِ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ فِي بَطْنِ الوَادِي، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ، وَالبَطْحَاءُ: مَسِيلُ الوَادِي، الوَاسِع وَفِيهِ حَصى صَغِيرَة» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَلَا يَجُوزُ التَّبَرُّكُ بِتُرْبَتِهِ، أَوْ بَطْحَائِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ البَرَكَةَ مِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ، فَهُوَ المُبَارِكُ، وَمِنْهُ تُرْجَى البَرَكَةُ، وَلِعَدَمِ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ وَصَحَابَتِهِ لِذَلِكَ.
* ثَامِنًا: فَضْلُ المَوْتِ بِهَا.
- أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ أَنَّ مَنْ مَاتَ بِالمَدِينَةِ وَهُوَ عَلَى الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ يَشْفَعُ لَهُ أَوْ يَشْهَدُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلِهَذَا رَغَبَ فِي السَّكَنِ وَالمَوْتِ بِهَا، فَقَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ ؛ فَلْيَمُتْ بِهَا، فَإِنِّي أَشْفَعُ لَهُ، أَوْ أَشْهَدُ لَه» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
- وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَابِ الله يَدْعُو رَبَّهُ أَنْ يَمُوتَ بِهَا، وَمِنْ دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِك» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
- أَمَّا مَنْ مَاتَ خَارِجَ المَدِينَةِ، ثُمَّ دُفِنَ فِيهَا، فَلَا يَنَالُ ذَلِكَ الفَضْلَ، وَلَا فَضْلَ لِلدَّفْن فِيهَا.
* تَاسِعًا: المَدِينَةُ آخِرُ القُرَى خَرَابًا.
- فِي آخِرِ الزَّمَانِ تَخْرَبُ جَمِيعُ قُرَى الإِسْلَامِ الوَاحِدَةُ تِلْوَ الأُخْرَى، وَلِشَرَفِ المَدِينَةِ فَإِنَّهَا آخِرُ القُرَى خَرَاباً، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ: «آخِرُ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الإِسْلَامِ خَرَاباً المَدِينَة» رَوَاهُ التَّرْمِذِيُّ.
- وَوَصَفَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمْ حَالَهَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَقَالَ : «يَتْرُكُونَ المَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ لَا يَغْشَاهَا إِلَّا العَوَافِي، يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ أَيْ: لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا السَّبَاعُ وَالطُّيُورُ بَحْثاً عَنِ الرِّزْقِ ـ» مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
- قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: «الظَّاهِرُ المُخْتَارُ: أَنَّ هَذَا التَّرْكَ لِلمَدِينَةِ يَكُونُ آخِرِ الزَّمَانِ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ» [شرح صحيح مسلم].
- وَهَذَا حَالُ الدُّنْيَا كُلُّ مَا فِيهَا إِلَى الزَّوَالِ، فَهِيَ دَارُ مَمَرٌ إِلَى دَارِ مَقَرِّ ، إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ.
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
تعليقات
إرسال تعليق