فضل الصلاة في المسجد النبوي ومسجد قباء
للشيخ الدكتور عَبْد المُحْسِن بِنْ مَحَمَّد القَاسِم
بسم الله الحمن الرحيمالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:
* فَضْلُ الصَّلَاةُ فِي المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ.
* دُعَاءُ دُخُولِ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ.
لَيْسَ هُنَاكَ دُعَاءً خَاصٌ لِدُخُولِ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَإِنَّمَا إِذَا دَخَلَ الشَّخْصُ المَسْجِدَ النَّبَوِيَّ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ فِي بَقِيَّةِ المَسَاجِدِ؛ فَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ اليُمْنَى، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكًَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
*مُضَاعَفَةُ أَجْرِ الصَّلَاةِ فِي المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ.
- الصَّلَاةُ فِي المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، وَهَذَا الفَضْلُ لِصَلَاةِ الفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ فَيَعُمُّ أَيَّ صَلَاةٍ.
- قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهِ: «يَعُمُّ الفَرْضَ وَالنَّفْلَ جَمِيعاً»[شرح صحيح مسلم]، وَمَعَ عَظِيمٍ فَضْلِ النَّافِلَةِ فِي المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ إِلَّا أَنَّهَا فِي البَيْتِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم كَانَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ فِي بَيْتِهِ وَالمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ مُلَاصِقٌ لِبَيْتِهِ، وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم: «إِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
* أَيْنَ أُصَلِّي صَلَاةَ الجَمَاعَةِ فِي المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ؟
- الدُّنُو مِنَ الإِمَام هُوَ الأَفْضَلُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم: «ليَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلَامِ وَالنُّهَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
* أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الصَّلَاةُ فِي الرَّوْضَةِ أَمْ خَلْفَ الإِمَامِ؟
- صَلَاةُ الجَمَاعَةِ فِي الصُّفُوفِ الأُولَى مَعَ الإِمَامِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ هِيَ الصَّفَ الأَوَّلَ، وَالنَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم قَالَ: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
- وَلِقَوْلِهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النَّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَأَسْتَهَمُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
* مَشْرُوعِيَّةُ إِكْمَالِ الصُّفُوفِ.
- يُشْرَعُ إِثْمَامُ الصَّفِّ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، وَلَا يُصَلِّي المَأْمُومُ فِي صَفٌ مُتَأَخْرٍ وَالَّذِي أَمَامَهُ لَمْ يَكْتَمِلْ، قَالَ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «اخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم فَقَالَ: أَلَا تَصُفُونَ كَمَا تَصُتُ المَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ تَصُفُّ المَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأول، وَيَتَرَاصُونَ فِي الصَّفٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- وَلَا تَصِحُ صَلَاةُ مُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم: «لَا صَلَاةَ لِفَرْدِ خَلْفَ الصَّفٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، إِلَّا لِاَمْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا مِنَ النِّسَاءِ مَنْ تَصُفُ مَعَهَا، أَوْ مَعْذُورٍ؛ كَمَنْ لَا يَجِدُ مَحَلّاً فِي الصَّفٌ.
* حُكْمُ المُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي.
المُرُورُ أَمَامَ المُصَلِّي يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
- ١ - إِذَا كَانَ المُصَلِّي مُنْفَرِداً أَوْ إِمَاماً؛ فَلَا يَجُوزُ المُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ سَوَاءً فِي المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَوْ غَيْرِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ -يَعْنِي: مِنَ الإِثْمِ-؛ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَإِذَا كَانَ أَحَدٌ يُصَلِّي فِي مَمَرَّاتِ المَسْجِدِ وَطْرُقِهِ، فَلِلْمَارٌ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى فِيمَا هُوَ مُتَّخَذْ طَرِيقاً لِلنَّاسِ فِي المَسْجِدِ [فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم]، وَكَذَا إِذَا كَانَ فِي المَسْجِدِ زِحَامٌ شَدِيدٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:16].
- ۲ - وَإِذَا كَانَ المُصَلِّي مَأْمُوماً وَهُوَ مَعَ الإِمَامِ فِي صَلَاةِ الجَمَاعَةِ، فَيَجُوزُ المُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ سُتْرَةَ الإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «أَقْبَلْتُ رَاكِباً عَلَى أَتَانٍ -وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِخْتِلَامَ- وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنِّي، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيِ الصَّفّ، فَنَزَلْتُ، فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفٌ، فَلَمْ يُنْكِرُ ذلِكَ عَلَى أَحَدٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
* حُكْمُ الصَّلَاةِ أَمَامَ الإِمَامِ.
- السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ المَأْمُومُونَ خَلْفَ الإِمَامِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- فَإِنْ صَلَّوْا أَمَامَ الإِمَامِ بِلا حَاجَةٍ لَمْ تَصِحْ صَلَاتُهُمْ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ رَحِمَهُ الله: «السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ المَأْمُومُونَ خَلْفَ الإِمَام، فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ؛ لَمْ تَصِحَ» .
- وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ حَاجَةٌ -كِشِدَّةِ الرِّحَام - فَلَا حَرَجَ فِي الصَّلَاةِ أَمَامَ الإِمَامِ، قَالَ شَيْخُ الإِسْلَام رَحِمَهُ الله: «إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الجَمَاعَةِ إِلَّا قُدَّامَ الإِمَام، فَإِنَّهُ يُصَلِّي هُنَا -لأَجْلِ الحَاجَةِ- أَمَامَهُ، وَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْل العِلْم، وَمِنَ الأُصُولِ الكُلِّيَّةِ: أَنَّ المَعْجُوزَ عَنْهُ فِي الشَّرْع سَاقِط الوُجُوب» .[فتاوى شيخ الإسلام].
* صفَةُ صَلَاةِ الجَنَازَةِ.
رَغَبَ الإِسْلَامُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَازَةِ، وَفِي اتِّبَاعِهَا حَتَّى تُدْفَنَ، وَرَتَّبَ الأَجْرَ الجَزِيلَ عَلَى ذَلِكَ.
- قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم: «مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ، قِيلَ: وَمَا القِيرَاطَانِ؟ قَالَ: مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: القِيرَاطُ: مِثْلُ أُحُدٍ».
- وَيُشْرَعُ لِلْمَرْأَةِ صَلَاةُ الجَنَازَةِ كَمَا يُشْرَعُ لِلرِّجَالِ.
- وَلِتَكَرُّرِ صَلَاةِ الجَنَازَةِ عَقِبَ كُلِّ فَرِيضَةِ -غَالِباً فِي المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ-، نَذْكُرُ صِفَةَ صَلَاةِ الجَنَازَةِ:
- ١ - بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى: تَقْرَأُ الفَاتِحَةَ.
- ٢ - بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ: تُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ .
- ٣ - بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ: تَدْعُو لِلْمَيِّتِ بالمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَنَحْو ذَلِكَ.
- ٤ - بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ: تَسْكُتُ يَسِيراً، ثُمَّ تُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَلَى اليَمِينِ.
* إِذَا تَعَدَّدَتِ الجَنَائِزُ فَهَلْ تَتَعَدَّدُ القَرَارِيطُ؟
- إِذَا تَعَدَّدَتِ الجَنَائِزُ فَإِنَّ القَرَارِيطَ مِنَ الأُجُورِ تَتَعَدَّدُ بِعَدَدِ الجَنَائِزِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم: «مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ العَزِيزِ ابْنُ بَازِ رَحِمَهُ الله: «الأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ القَرَارِيطَ تَتَعَدَّدُ بِعَدَدِ الجَنَائِزِ»[مجموع فتاوى ابن باز] .
* هَلْ أُصَلِّي التَّطَوُّعَ فِي كُلِّ وَقْتِ؟
جَمِيعُ الأَوْقَاتِ زَمَنْ لِلتَّطَوُّع سِوَى ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ:
- ۱ - مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الفَجْرِ إِلَى بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِعَشْرِ دَقَائِقَ.
- ۲ - قَبْلَ أَذَانِ الظُّهْرِ بِعَشْرِ دَقَائِقَ إِلَى أَذَانِ الظُّهْرِ.
- ۳ - مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ العَصْرِ إِلَى أَذَانِ المَغْرِبِ.
- قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ الجُهَنِيُّ رَحِمَهُ الله: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّي فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: «حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُب» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
* مَاذَا أَفْعَلُ غَيْرَ الصَّلَاةِ فِي المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ؟
- تَغْتَنِمُ وَقْتَكَ بِصَلَاةِ التَّطَوُّع فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ النَّهْيِ، وَتُكْثِرُ مِنْ تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ، وَذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ، وَالاسْتِغْفَارِ، وَالدُّعَاءِ، وَحُضُورِ دُرُوس أَهْل العِلْمِ، وَتَفْعَلُ مِنَ الطَّاعَاتِ فِي المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ كَمَا تَفْعَلُ فِي بَقِيَّةِ المَسَاجِدِ .
- قَالَ شَيْخُ الإِسْلَام رَحِمَهُ الله: «كَانَ السَّلَفُ يَفْعَلُونَ فِي مَسْجِدِهِ مَا هُوَ المَشْرُوعُ فِي سَائِرِ المَسَاجِدِ؛ مِنَ الصَّلَاةِ، وَالقِرَاءَةِ، وَالذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ، وَالِاعْتِكَافِ، وَتَعْلِيمِ القُرْآنِ وَالعِلْمِ، وَتَعَلُّمِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ»[فتاوی شيخ الإسلام].
* هَلْ صَلَاةُ أَرْبَعِينَ فَرْضاً فِي المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ لَهُ أَصْلِّ؟
- رُوِيَ أَنَّ «مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِي أَرْبَعِينَ صَلَاةً، لَا يَفُوتُهُ صَلَاةٌ؛ كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَنَجَاةٌ مِنَ العَذَابِ، وَبَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ وَمَتْنَهُ مُنْكَر؛ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ.
- وَالبَرَاءَةُ مِنَ النِّفَاقِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّ النِّفَاقَ كُفْرٌ فِي البَاطِنِ، وَسَبِيلُ الخَلَاص مِنْهُ هُوَ التَّوْبَةُ، وَلَوْ صَلَّى المُنَافِقُ مَا شَاءَ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ صَلَاتُهُ حَتَّى يَتُوبَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ}[التوبة:54].
* مَسْجِدُ قُبَاءِ.
- قبَاءُ: أَصْلُهُ اسْمُ بِثْرٍ؛ وَعُرِفَتِ القَرْيَةُ بِهَا، وَتَبْعُدُ ثَلَاثَةَ كِيلُو مِتْرَاتٍ تَقْرِيباً جَنُوبَ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَقَدْ دَخَلَتِ الآنَ فِي المَدِينَةِ.
- وَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم إِلَى المَدِينَةِ وَأَشْرَفَ عَلَيْهَا وَوَصَلَ إلَى قُبَاء، أَسَّسَ فِيهِ مَسْجِداً بُنِيَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {لَمَسْجِدُ أُسَيْسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}[التوبة:108]، قَالَ شَيْخُ الإِسْلَام رحمه الله: «نَزَلَتْ بِسَبَبٍ مَسْجِدِ قُبَاءٍ، لَكِنَّ الحُكْمَ يَتَنَاوَلُهُ وَيَتَنَاوَلُ مَا هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بذَلِكَ، وَهُوَ مَسْجِدُ المَدِينَةِ» [منهاج السنة النبوية].
- وَأَثْنَى اللَّهُ عَلَى أَهْلِهِ بِقَوْلِهِ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَرُوا}[التوبة:108]، ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم لِإِكْمَالِ مَسِيرَةِ الهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَدْرَكَتْهُ فِي بَنِي سَالِمٍ فَصَلَّى فِيهَا، ثُمَّ سَارَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَبَنَى الجُمُعَةُ فِيهَا مَسْجِدَهُ.
* فَضْلُ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ قُبَاءِ.
- يُسَنُّ لِأَهْلِ المَدِينَةِ وَلِمَنْ وَصَلَ إِلَيْهَا زِيَارَةَ مَسْجِدِ قُبَاءِ وَالصَّلَاةَ فِيهِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ، مَاشِياً وَرَاكِباً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَيَسَّرَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ يَوْمَ السَّبْتِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فِي أَيِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّام الأُسْبُوع، وَلَهُ أَنْ يَزُورَهُ وَيُصَلِّيَ فِيهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ عَدَا أَوْقَاتِ النَّهْيِ.
- وَيُسَنُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ، أَوِ المَنْزِلِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءٍ، فَصَلَّى فِيهِ صَلَاةً؛ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
* أَمَاكِنُ لَا تُشْرَعُ زِيَارَتُهَا.
لَا يُزَارُ فِي المَدِينَةِ سِوَى مَسْجِدَيْنِ وَمَقْبَرَتَيْنِ.
المَسَاجِدُ الَّتِي تُشْرَعُ زِيَارَتُهَا فِي المَدِينَةِ مَسْجِدَانِ، وَهُمَا:
١ - المَسْجِدُ النَّبَوِيُّ
۲- مَسْجَدُ قُبَاء.
- وَمَا سِوَى هَذَيْنِ المَسْجِدَيْنِ فِي المَدِينَةِ فَهُوَ كَبَقِيَّةِ المَسَاجِدِ، لَيْسَ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ المَسَاجِدِ، وَلَمْ يَأْتِ دَلِيلٌ مِنَ الشَّرْعِ عَلَى اسْتِحْبَابِ قَصْدِهَا بالزِّيَارَةِ؛ بَلْ هُوَ مِمَّا ابْتَدَعَهُ النَّاسُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ؛ فَهُوَ رَدُّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا ، فَهُوَ رَدُّ».
- قَالَ شَيْخُ الإِسْلَام رَحِمَهُ اللهِ: «وَلَيْسَ بِالمَدِينَةِ مَسْجِدٌ يُشْرَعُ إِثْيَانُهُ إِلَّا مَسْجِدَ قُبَاءٍ، وَأَمَّا سَائِرُ المَسَاجِدِ فَلَهَا حُكْمُ المَسَاجِدِ، وَلَمْ يَخُصَّهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِثْيَانِ، وَلِهَذَا كَانَ الفُقَهَاءُ مِنْ أَهْل المَدِينَةِ لَا يَقْصِدُونَ شَيْئاً مِنْ تِلْكَ الأَمَاكِن إِلَّا قُبَاءِ خَاصَّةً»[اقتضاء الصراط المستقيم].
* وَالمَقْبَرَتَانِ اللَّتَانِ تُسَنُّ زِيَارَتُهُمَا:
۱ - مَقْبَرَةُ البَقِيعِ .
٢- مَقْبَرَةُ شُهَدَاءِ أَحدِ.
وَقَدْ زَارَ النَّبِيُّ تِلْكَ المَقْبَرَتَيْنِ.
- قَالَ الإِمَامُ مَالِكُ رَحِمَهُ اللهِ: «لَا نَأْتِي إِلَّا هَذِهِ الآثَارَ: مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم، وَمَسْجِدَ قُبَاءِ وَأَهْلَ البَقيع وَأَحَدٍ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم لَمْ يَكُنْ يَقْصِدُ إِلَّا هَذَيْن المَسْجِدَيْنِ وَهَاتَيْنِ المَقْبَرَتَيْن» [فتاوى شيخ الإسلام].
* هَلْ مَسْجِدُ القِبْلَتَيْنِ لَهُ فَضْلُ؟
- يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ بِمَسْجِدِ القِبْلَتَيْنِ، قَالُوا: لأَنَّ الصَّحَابَةَ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ أَتَاهُمْ خَبَرُ تَحْوِيلِ القِبْلَةِ مِنَ المَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى المَسْجِدِ الحَرَامِ وَهُمْ فِي هَذَا المَسْجِدِ، فَتَحَوَّلُوا مِنَ الجِهَةِ الشَّمَالِيَّةِ إِلَى الجِهَةِ الجَنُوبِيَّةِ.
- وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ مَسْجِدَ القِبْلَتَيْنِ هُوَ مَوْضِعُ تَحْوِيل القِبْلَةِ، قَالَ السَّمْهُودِيُّ رَحِمَهُ اللهِ: «هَذَا مِنَ المَسَاجِدِ الَّتِي لَا تُعْلَمُ اليَوْمَ عَيْنُهَا» [وفاء الوفاء].
- وَلَمْ يَثْبُتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَم زَارَ هَذَا المَسْجِدَ، وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ فَضْلُ.
- كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ أَيُّ مَزِيَّةٍ لِلْمَسْجِدِ فِي تَحْوِيلِ القِبْلَةِ، فَجَمِيعُ المَسَاجِدِ آنْذَاكَ -وَأَوَّلُهَا المَسْجِدُ النَّبَوِيُّ، وَمَسْجِدُ قَبَاءِ- قَدْ صُلِّيَ فِيهَا إلَى الجِهَتَيْنِ .
* هَلْ تُزَارُ المَسَاجِدُ السَّبْعَةُ؟
- المَسَاجِدُ السَّبْعَةُ: هِيَ مَسَاجِدُ صَغِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ خَلْفَ سَفْحِ جَبَلٍ سَلْعِ، الوَاقِع فِي الجِهَةِ الغَرْبِيَّةِ الشَّمَالِيَّةِ مِنَ المَدِينَةِ وَمُنْذُ أَنْ عُرِفَتْ فِي التَّارِيخِ وَعَدَدُهَا أَرْبَعَةٌ، وَيُسَمِّيهَا النَّاسُ المَسَاجِدَ السَّبْعَةَ .
- وَجَمِيعُهَا لَيْسَ لَهُ أَصْلَّ، قَالَ السَّمْهُودِيُّ رَحِمَهُ اللهِ: «وَلَمْ أَقِفْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى أَصْلٍ» [وفاء الوفاء].
- فَزِيَارَةُ هَذِهِ المَسَاجِدِ لَا تُشْرَعُ؛ لِعَدَمِ وُرُودِهَا فِي السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا هِيَ مَمَّا ابْتَدَعَهُ النَّاسُ.
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
تعليقات
إرسال تعليق