الحديث الثاني عشر من الأربعين النووية
"ترك ما لا يعني، والاشتغال بما يفيد"
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد ..
موعدنا اليوم متابعي مدونة -طريقة للجنة- ومع حديث جديد من أحاديث الأربعين النووية، وهو الحديث الثاني عشر "ترك ما لا يعني، والاشتغال بما يفيد"
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرزقنا العمل بها؛ لننال شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
* فهيا بنا لنستمع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم *
* الحديث الثاني عشر "ترك ما لا يعني، والاشتغال بما يفيد"
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وقَالَ: حديثٌ حَسَنٌ.
* بيان معاني الحديث الثاني عشر:
- من: تبعيضية، أو بيانية.
- ما لا يعنيه: بفتح ياء المضارعة، من عناء الأمر إذا تعلقت به عنايته، وكان من قصده وإرادته.
* شرح الحديث الثاني عشر:
هذا الحديث هو عند أهل العلم، والحديث، والسُنن يعتبرونه أصل من أصول الآداب الإسلامية والأخلاق "من حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُهُ ما لا يَعنِيهِ"، هكذا يعلمنا دينُنا العظيم: أن نحرص على ما ينفعنا، وأن ندعَ ما يُريبنا إلى ما لا يُريبنا، وأن نحبَّ لإخواننا ما نحبه لأنفسنا.
- قال ابن رجب رحمه الله: هذا الحديث أصل من أصول الأدب.
- قال حمزة الكناني رحمه الله: هذا الحديث ثلث الإسلام.
- "من حُسن إسلام المرء" عدم تتبع العثرات والعورات، وترك الإلحاح بالسؤال، متى ذهب فلان؟ ومن أين جاء؟ بكم اشترى ومن أين ومتى؟ وكيف حصل ذلك؟ من أين لك هذا؟ وغيرها من أسئلة الفضول والتطفل مما هو ليسَ داخلاً في تخصُّصهِ ولا مسؤوليته، والاستغراق في الحوادث وتفاصيلِ المستجِدات، بينما لو صَرفَ هذه الأوقات والجهود في أمورٍ أخرى لكان خيراً له.
- ولا شك أن مِنْ طَبِيعَةِ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَتَأَذَّوْنَ مِمَّنْ يَتَدَخَّلُ في شُؤُونَهُمُ الْخَاصَّةَ، ويتطفل على أخبارهم وتفاصِيلِ حياتهم، وَيَعْتَبِرُونَ ذَلِكَ تَعَدِّيًا وقحاً عَلَى خُصُوصِيَّاتِهِمْ؛ جاء في الحديث المُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: "كُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ؛ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِك".
- وفي صحيح البخاري: قال صلى الله عليه وسلم: "المسلم مَنْ سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر مَنْ هجر ما حرم الله"، وفي الحديث الصحيح أيضاً: قال صلى الله عليه وسلم: "من تتبع عورة أخـيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيـته".
- فالإنسان إذا ابتعد عمَّا لا يعنيه، ولم يدخل في مشاكل الناس، ولا في سؤال فلانٍ وفلانٍ عمَّا لا يعنيه، فهذا هو من كمال إيمانه، ودليلٌ على رجاحةِ عقله، وكمال توفيقه؛ وَصَاحِبُهُ مِنْ أَطْيَبِ النَّاسِ عَيْشًا وأهنأهم نفساً، وأسلمهم َقَلْبًا؛ لأنه قد يدخل في شيءٍ يضره، أو يُشوش على غيره، أو يُسبب فتنة.
- قال ابن القيم رحمه الله: وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع كله في كلمة واحدة، فقال: ((من حسن إسلام المرء: تركُه ما لا يعنيه))، فهذا يعم الترك لما لا يعني: من الكلام، والنظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة، فهذه كلمة شافية في الورع. [مدارج السالكين].
- قال عمر بن عبد العزيز: من عد كلامَه مِن عمله، قلَّ كلامه فيما لا ينفعه. 
- وقال الحسن البصري: علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه.
- وقال الشافعي: ثلاثة تزيد في العقل: مجالسة العلماء، ومجالسة الصالحين، وترك الكلام فيما لا يعني.
- وقال محمد بن عجلان: إنما الكلام أربعة: أن تذكر الله، وتقرأ القرآن، وتسأل عن علم فتخبر به، أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك.
* ما يستفاد من الحديث الثاني عشر:
- الحديث أصل عظيم للكمال الخلقي، وزينة للإنسان بين ذويه وأقرانه.
- أن من قبح إسلام المرء التدخل فيما لا يعنيه، وهو الفضول كله على اختلاف أنواعه، فإن معاناته ضياع للوقت النفيس الذي لا يمكن أن يعوض فائته فيما لم يخلق لأجله.
- الحث على الاشتغال بما يعني، وهو ما يفوز به المرء في معاده من الإسلام والإيمان والإحسان، وما يتعلق بضرورة حياته في معاشه، فإن المشتغل بهذا يسلم من المخاصمات وجميع الشرور.
- الحديث دليل على الحث عن الابتعاد عن سفاسف الأمور.
- إذا كان مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فمِن حُسنه إذًا اشتغالُه فيما يعنيه.
* القواعد المستنبطة من الحديث الثاني عشر:
- قاعدة في الحياة: إدراك الفضائل يكون بترك ما لا يعني من المشاغل.
- قاعدة في الصلة مع الله جل وعلا: بقدر انشغال قلبك بالخالق يكون انشغالك عما لا يعنيك من المخلوق.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
 






تعليقات
إرسال تعليق