القائمة الرئيسية

الصفحات

وقفات وفوائد من قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}

 

وقفات وفوائد من قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
  • فإن الحَجّ هو الركن  الخامس من أركان الإسلام، وأعظم قُربة يتقرب بها العباد، حيث تجتمع فيه العبادة البدنية والمالية، وهو من أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله عز وجل.
  • وقد بَشر النَّبي صلى الله عليه وسلم من حَجَّ بغفران الذنوب بالكلية والعودة كيوم ولدته أمه، وفي حديث آخر أنه قالَ صلى الله عليه وسلم: "الحَجَّ المَبرُور لَيسَ لَهُ جَزاءً إلا الجَنَّة" متفق عليه.
  • وقد بين الله تعالى لنا في كتابة العزيز في آيات عديدة عِظم فريضة الحجّ وبيان الأحكام المتعلقة، منها قوله تعالى{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِوهو موضوع حديثنا اليوم.

* وقفات في قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}


يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:196]


* ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية وقفات منها ما يلي:


* قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}

  • أي ائتوا بهما تامتين؛ وهذا يشمل كمال الأفعال في الزمن المحدد، وكذلك صفة الْحَجَّ، والعمرة؛ بأن تكون موافقة تمام الموافقة لما كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يقوم به.
  • واللام في قوله تعالى: {لِلَّهِ} تفيد الإخلاص؛ يعني مخلصين لله عز وجل ممتثلين لأمره.

* قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ}

  • أي منعتم عن إتمامها {فَمَا اسْتَيْسَرَ} أي فعليكم ما تيسر من الهَدي؛ وزيادة الهمزة والسين للمبالغة في تيسر الأمر؛ {والْهَدْيِ} أي الهَديّ الشرعي.
  • والهَديّ الشرعي هو ما كان ثنياً مما سوى الضأن؛ لقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: "لا تذبحوا إلا مسنَّة إلا إن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن"؛ وهذا النهي يشمل كل ما ذبح تقرباً إلى الله عز وجل من هدي، أو أضحية، أو عقيقة.

* قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ}

  • أي لا تزيلوها بالموس {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}؛ {مَحِلَّهُ} يحتمل أن تكون اسم زمان؛ والمعنى: حتى يصل إلى يوم حلوله - وهو يوم العيد -؛ وثبتت السنة بأن من قدّم الحَلق على النًّحر فلا حرج عليه.
  • ويحتمل أن المعنى: حتى يذبح الهدي؛ وتكون الآية فيمن ساق الهَدي؛ ويؤيد هذا أن النَّبي صلى الله عليه وسلم سئل ما بال الناس حلوا ولم تحل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر".

* قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا}

  • أي واحتاج إلى حلق الرأس؛ {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِوهو صحيح، كما لو كان الرأس محلاً للأذى، والقمل، وما أشبه ذلك.
  • {فَفِدْيَةٌ} أي فعليه فدية يفدي بها نفسه من العذاب {مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}؛ {أَوْ} هنا للتخيير.
  • وقد بَيَّنَ النَّبي صلى الله عليه وسلم أن "الصِّيام" ثلاثة أيام، وأن "الصَّدقَة" إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع؛ وأما "النُّسُك" فهو ذبح شاة.
  • هذه الجملة قد حذف منها ما يدل عليه السياق؛ والتقدير: فمن كان منكم مريضاً، أو به أذًى من رأسه، فحلق رأسه فعليه فدية.
  • قوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْأي من العدو - يعني فأتموا الْحَجَّ والعمرة -.

* ثم فصّل الله عز وجل المناسك فقال:

  • {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} أي فمن أتى بالعٌمرة متمتعاً بحله منها بما أحل الله له من محظورات الإحرام {إِلَى الْحَجِّ}؛ أي إلى ابتداء زمن الْحَجَّ؛ وهو اليوم الثامن من ذي الحجة {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِأي فعليه ما استيسر من الهدي شكراً لله على نعمة التحلل؛ ويقال في هذه الجملة ما قيل في الجملة التي سبقت في الإحصار.

* قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ}

  • أي فمن لم يجد الهدي، أو ثمنه {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} أي فعليه صيام ثلاثة أيام فِي {الْحَجِّأي في أثناء الْحَجَّ، وفي أشهره.

* قوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}

  • أي إذا رجعتم من الْحَجِّ بإكمال نسكه، أو إذا رجعتم إلى أهليكم.


* قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}

  • للتأكيد على أن هذه الأيام العشرة وإن كانت مفرقة فهي في حكم المتتابعة.

* قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}

  • أي ذلك التَّمتُع المُوجب للهَدي.
  • وقوله تعالى: {أَهْلُهُ} قيل: المراد به نفسه -أي لمن لم يكن حاضراً المسجد الحرام -؛ وقيل: المراد بـ {أَهْلُهُ} سكنه الذي يسكن إليه من زوجة، وأب، وأم، وأولاد، وما أشبه ذلك.
  • فيكون المعنى: ذلك لمن لم يكن سكنه حاضري المسجد الحرام؛ وهذا أصح؛ لأن التعبير بـ {أَهْلُهُعن النفس بعيد؛ ولكن {أَهْلُهُأي الذين يسكن إليهم من زوجة، وأب، وأم، وأولاد هذا هو الواقع.

* قوله تعالى: {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}

  • المراد به مسجد مكة؛ واختلف في المراد بـ{حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فقيل: هم أهل الحرم؛ يعني: من كانوا داخل حدود الحرم؛ فمن كان خارج حدود الحرم فليسوا من حاضري المسجد الحرام؛ وروي هذا عن ابن عباس، وجماعة من السلف، والخَلف.


* قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ}

  • أي الزموا تقوى الله عز وجل؛ وذلك بفعل أوامره، واجتناب نواهيه.

* قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

  • أي شديد المؤاخذة، والعقوبة لمن لم يتقه تبارك وتعالى؛ وسُمِيَّت المؤاخذة عقاباً؛ لأنها تأتي عقب الذنب.

فوائد من قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}

  • وجوب إتمام الْحَجَّ، والعمرة؛ وظاهر الآية أنَّه لا فرق بين الواجب منهما، وغير الواجب؛ ووجه هذا الظاهرأن العمرة، والْحَجَّ سواء في وجوب إتمامهما؛ لقوله تعالى: {الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ}.
  • لا تجوز الاستنابة في شيء من أفعال الْحَجَّ، والعمرة؛ فلو أن أحداً استناب شخصاً في أن يطوف عنه، أو أن يسعى عنه، أو أن يقف عنه بعرفة، أو أن يقف عنه بمزدلفة، أو أن يرمي عنه الجمار، أو أن يبيت عنه في منى فإنه حرام؛ لأن الأمر بالإتمام للوجوب.
  • الحذر مما يفعله بعض الناس الآن من التساهل في رمي الجمرات، حيث إنهم يوكلون من يرمي عنهم بدون عذر مخالفة لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}؛ وعليه فلا يصح رمي الوكيل حينئذ؛ أما إذا كان لعذر كالمريض، والخائف على نفسه من شدة الزحام إذا لم يكن وقت آخر للرمي يخف فيه الزحام فلا بأس أن يستنيب من يرمي عنه.
  • وجوب الإخلاص لله؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} يعني أتموها لله لا لغيره؛ لا تراعوا في ذلك جاهاً، ولا رتبة، ولا ثناءً من الناس.
  • أنه إذا أحصِرَ الإنسان عن إتمام الْحَجَّ والعمرة فله أن يتحلل؛ ولكن عليه الهدي؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}.
  • وجوب الهَدي على من أحصر؛ لقوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}.
  • أن من تعذر، أو تعسر عليه الهدي فلا شيء عليه؛ لقوله تعالى:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}.؛ ولم يذكر الله بديلاً عند العجز؛ وقال بعض أهل العلم: إنه إذا لم يجد هدياً صام عشرة أيام، ثم حلّ - قياساً على هدي التمتع -؛ ولكن هذا القياس ليس بصحيح من وجهين:
  • - الوجه الأول: أنه مخالف لظاهر الآية؛ لأن الله لم يذكر بديلاً للهدي.
  • - الوجه الثاني: أن تحلل المتمتع تحلل اختياري؛ وأما المحصر فتحلله اضطراري.
  • أنه لا يجب على المُحصِر الحلق عند التحلل؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يذكره؛ وهو أحد القولين في المسألة؛ والقول الثاني: وجوب الحلق؛ لثبوته بالسنة.
  • أن المُحصِر لا يجب عليه القضاء؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يذكره؛ ولو كان القضاء واجباً لذكره الله عز وجل؛ وهذا يشمل من حصر في فريضة؛ ومن حصر في نافلة؛ لكن الفريضة إذا حُصِر عن إتمامها يلزمه فعلها بالخطاب الأول؛ لا على أنه بدل عن هذه التي أحصر عنها؛ فمثلاً رجلاً شرع في حج الفريضة، ثم أحصِر عن إتمامها، فذبح الهدي، وتحلل؛ فيجب الْحَجَّ عليه بعد ذلك؛ لكن ليس على أنه قضاء؛ لكن على أنه مخاطب به في الأصل؛ وتسمية العمرة التي وقعت بعد صلح الحديبية عُمرَة القضاء ليست لأنها قضاء عما فات؛ ولكنها من "المقاضاة"، وهي المصالحة؛ ولذلك لم يأت بها كل من تحلل من عمرة.

أسأل الله تعالى أن يرزقنا زيارة وحجَّ بيته الحرام.
وتقبل الله تعالى من كل حاجِ ومُعتمِر.

وصلى الله تعالى وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبهه أجمعين. 







هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تقرأ في هذا الموضوع